جنيف 2.. هل سينجح حقا؟

TT

يدور حديث متشعب ومفعم بالشكوك حول مؤتمر جنيف 2 وما إذا كان سينجح. ويبذل الجباران الكبيران الأميركي والروسي جهودا محمومة لجعل عقده مسألة حتمية من دون أن يكون لدى أي منهما الثقة بأنه سينجح إذا ما جرى عقده.

في نظر الجبارين، يبدو انعقاد مؤتمر جنيف 2 أمرا قائما بذاته وكأنه منفصل عن أي بيئة سياسية، أو سيتكفل بنقل المسألة السورية من طور الحرب إلى حتمية السلام، بعد أن بلغ احتجاز الوضع السوري حدا صار من الضروري معه القيام بإجراء دولي يساعد على الخروج منه، ما دام تدخل الخارج العسكري مستحيلا ووقف إطلاق النار بين المتصارعين غير ممكن.

ثمة عقبتان تقفان أمام نجاح جنيف هما بكل اختصار: الخلافات الأميركية الروسية، وتناقضات مواقف النظام والمعارضة في سوريا.

- لن يكون نجاح جنيف ممكنا من دون حد أدنى من تفاهم أميركا وروسيا على حل مقبول لديهما، يكون مقبولا في الوقت ذاته لدى أطراف الصراع السوري. بغير ذلك لن يكون هناك أي معنى لاتفاق السوريين، لأنه سيتعارض حكما مع مصالح أحد الجبارين وسيكون بالتالي مرفوضا منه. في ظل التنافر الأميركي الروسي، سيكون هناك بالضرورة مشكلات لا تقبل الحل بين طرفي المفاوضات السوريين، المتعارضي المواقف والمصالح بدورهما. والحقيقة أن نص جنيف نفسه ملتبس ويجعل الحل صعبا إن لم يكن مستحيلا، لأن مواقف الروس تتعارض معه، بسبب دعمهم غير المشروط لسياسات النظام المتعارضة مع تطبيقه: من وقف إطلاق النار، إلى سحب الجيش من المدن، إلى إطلاق سراح المعتقلين، إلى السماح بالتظاهر السلمي، إلى تشكيل جسم حكومي بصلاحيات كاملة يشرف على الجيش والأمن والقضاء، وأخيرا، إلى إقامة نظام ديمقراطي. يمارس النظام بدعم روسيا سياسات مضادة لما أقره الخمس الكبار في جنيف، فهل يعقل أن يوافق الروس على اتفاق يتعارض مع بقاء نظام ساندوه طيلة ثلاثة أعوام ونيف، ويضع حكم البلاد بين يدي معارضة يعتبرونها أصولية ومعادية لهم؟. بالمقابل، هل سيوافق الأميركيون على اتفاق لا يضمن مصالحهم الشديدة التعقيد والتشعب، لمجرد أن السوريين وافقوا عليه؟. أعتقد أن من السذاجة الإيمان بذلك.

- لن يتفق الطرفان السوريان المتصارعان، ما لم يؤمن الطرف الحكومي أنه سيهزم، وينقطع بالتالي الدعم الروسي والإيراني اليومي له، وما لم ير أن من الأفضل له التخلي عن الحكم لصالح تسوية وطنية تنهي الوضع الشاذ المتمثل في تسلط أقلية سياسية وفئوية على الأغلبية الرافضة لسلطتها وحكمها. بالمقابل، ليست المعارضة السياسية والمسلحة موحدة إلى درجة تجعل الاتفاق مع الائتلاف ملزما لجميع أطرافها، حتى إن شاركت هيئة التنسيق والكرد في وفده وتطابقت وجهات نظرهما مع وجهات نظره. هناك اليوم لدى الطرفين المتصارعين قوى وتيارات سترفض بالتأكيد أي اتفاق يجري الوصول إليه بينهما، ستتمكن من مقاومته ومقاتلة من يعقده، لذلك يرجح أن يدخل نجاح مؤتمر جنيف سوريا في طور من الاقتتال يكون أقرب إلى حرب أهلية ستنشب في صفوف المعارضة والموالاة، بدل أن يدشن مرحلة من السلم الأهلي والأمن الوطني. هذه النقطة، فضلا عن اتفاق الجبارين بصفته شرطا لازما لنجاح جنيف، يجب أخذها بعين الاعتبار عند تقويم فرص نجاح جنيف 2 وما سيترتب عليه من نتائج وأوضاع. ولعله من المفيد التذكير بأن تدخلا دوليا مباشرا من نوع ما سيصبح عندئذ حتميا، لتهدئة الأوضاع وضمان تطبيق الاتفاق: المرفوض من أوساط وقوى كثيرة قادرة على تعطيله أو إحباطه.

لم أناقش ما إذا كانت المعارضة ستنجح في تشكيل وفد موحد ولديه رأي موحد. وما إذا كان للنظام مصلحة في الذهاب إلى مؤتمر يعني تطبيق بنوده المتفق دوليا عليها نهايته المؤكدة. ولم أناقش أيضا إن كانت مناورات النظام التي وعد بها وليد المعلم ستضع حدا لانعقاده بعد ساعات أو أيام قليلة من انطلاقه، لأن مناورات المعلم ستكون ضرورية لتفادي النتائج الكارثية التي ستترتب على نجاح جنيف وإنقاذ نظام قرر أن الطريقة الوحيدة للبقاء في السلطة هي إبادة شعبه، لكنه سيجد نفسه في المؤتمر أمام مواجهة ممثلين له يطالبون بحقوق يعطيهم إياها جنيف، في التسليم بها نهايته الحتمية. أخيرا، لم أناقش أدوار التنظيمات الإرهابية التي شرعت تفتك بالجيش الحر والمنظمات المدنية والسياسية التي أنتجتها ثورة الحرية، الكافرة في نظرها.

هل سينجح جنيف، إن حدث وانعقد حقا؟. أعتقد أنني عرضت بعض المصاعب التي تعترض انعقاده وقدمت ملامح أولية لجواب عن هذا السؤال الذي سيحيرنا قبل المؤتمر، مثلما ستحيرنا بعد فشله!.