آه يا مستر كيري!

TT

عرف التلفزيون الأميركي مسلسلا مسليا عنوانه «مهمة مستحيلة»، فصار العنوان يطلق على كل عمل صعب أو شاق. كلما رأيت المستر جون كيري أو سمعته، تذكرت أبطال المسلسل. في بداية الحلقة، لا في نهايتها. أي وهم يتحرقون لحل لغز أو تفكيك قنبلة أو القفز فوق فخ منصوب.

الألغاز والأحاجي أمام المستر كيري كثيرة؛ أولها، كما هو واضح، رئيسه. مستر أوباما كان ذاهبا إلى مواجهة مع الكونغرس حول سوريا، فإذا به يخوض معركة حول الضمان الصحي. وكان يهدد بضرب النظام السوري، فصار يهنئه على «التعاون» في تدمير الكيماوي. ومعروف أن دمشق تبرعت بمبادرة فردية نبيلة بإزالة كل ما عندها، بعدما تبين لخبراء الأمم المتحدة أن هناك هجوما كيماويا وهناك ضحايا، ولكن ليس هناك فاعل. أمام هذا اللغز تبرع النظام بكل فروسية وقال: تعالوا، أفرغوا سوريا من غاز السارين قبل أن تفرغ من شعبها.

مسكين، العزيز جون، من موسكو إلى جنيف، ومن جنيف إلى لندن، ومن لندن إلى روما. ليس قادرا على العثور على جملة مفيدة واحدة يقولها: فعل وفاعل ومفعول به. دائما جملة اسمية واحدة: لافروف واحد، جنيف 2! يتحدث عن اتفاق مع لافروف فيخرج بوتين ضاحكا من حديث وفق يا أم عمرو. يبتسم جون متفائلا فيكفهر سيرغي. يطلب كيري مساعدة الحكومة البريطانية فيطلع له البرلمان البريطاني مثل عفريت خلف الشجرة، أو فوقها، إذا كنت من قراء توفيق الحكيم.

آخر ما حصل لرجل المهمات المستحيلة قوله بعد «انتزاع» أبو أنس الليبي، إن ما جرى قد جرى من دون علم السلطات في طرابلس (من دون تحديد لسلطة معينة). يقول المثل الشعبي: «أراد أن يكحلها.. عماها». يا وزير خارجية أميركا، بلاها. قل للناس هناك لجنة (أو آلة) تحقق في الأمر. قل الأمن الأميركي تصرف والآن الدبلوماسية الأميركية تدرس العلاقات مع الجماهيريات الليبية الباحثة عن علم واحد.

مسكين المستر كيري. يلم بطيخة فتقع أخرى، وليس له من يسعفه، لا داخلا ولا في بلاد الآخرين. رئيسه متعثر بالكونغرس، والكونغرس متلبك بإسرائيل، وليبيا التي أنقذها من ملك ملوكها الملهم وأبنائه وعديله، قتلت سفيره ودعت أبو أنس إلى النزهة على كورنيش طرابلس. أنتم لا تعرفون كم هي جميلة طرابلس، وكم هي حزينة. منذ أن فقدت الملك الموحد ضاعت بوصلتها وتعددت طرقات ألمها.

يثير المستر كيري العطف. رجل مثل «الهولندي الطائر» لا يحط في مكان. لا يحل ولا يربط. يبحث عن سياسة أميركا الخارجية بدل أن يصنعها. يتبع سيده في البيت الأبيض، وسيده متاهة تدور حول نفسها. مسكين الفريق الذي يعد له خطبه. أوباما يغير الخطاب كل شهر، والمستر كيري، جون كيري، يحاول أن يبرئ السلطات الليبية من المشاركة فيقول أن لا وجود لها. حتى في قلب طرابلس. حتى في الحي الذي يقطن به الشيخ المجاهد أبو أنس.