يا أولاد الحلال مطلوب خطة

TT

درسنا تفاصيل معركة ديان بيان فو في المدرسة تسجيلا لهزيمة الاستعمار الفرنسي في جنوب شرقي آسيا عام 1954 في حملة ما زالت تدرس في المدارس العسكرية إلى وقتنا الحاضر.. تذكرت ذلك ولم أتذكر اسم القائد العسكري الذي حقق ذلك النصر بإمكانات أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها كانت إمكانات أقل بكثير من إمكانات آلاف الجنود الفرنسيين المزودين بالسلاح والعتاد. لم أتذكر اسم الجنرال جاب إلا حين قرأت نبأ وفاته عن 102 سنة.

وفي عام 1968 كان الجنرال جاب وزير الدفاع الذي اقتلع الأميركيين من فيتنام. ومن الطرائف التي تروى عن تلك الفترة أن الجنود الأميركيين كانوا يهرولون منسحبين فيعدو الواحد منهم نحو طائرة الهليكوبتر التي أعدت للانسحاب ويقفز إلى أعلى لكي تمسك يده بأي جزء من الطائرة فيجذبه المحارب الفيتنامي من قدميه إلى درجة تجرد الجندي الأميركي من بنطاله بفعل المقاتل الفيتنامي وهو يجذبه إلى أسفل. ولكن الأميركي لا يأبه بفقدان بنطاله مؤثرا الانسحاب.

انحدر ذلك الجنرال من أصول ريفية في وسط ما كان يعرف في ذلك الوقت بالهند الصينية. وبدأ نشاطه في مقاومة الاستعمار في سن الرابعة عشرة. وفي شبابه اشتغل بالصحافة والتدريس. ثم درس العلوم السياسية قبل بدء نشاطه العسكري.

ومن الطريف أن طائرة السيناتور الأميركي جون ماكين الذي كان طيارا في البحرية الأميركية أثناء حرب فيتنام أسقطها رصاص فيتنامي تحت قيادة جاب وتعرض ماكين للأسر حينذاك. وعلى الرغم من ذلك لم يتردد ماكين في وصف جاب على موقع «تويتر» بعد وفاته بأنه كان استراتيجيا عسكريا من الطراز الأول.

في آخر لقاء إعلامي أجري في عام 2005 قال الجنرال لمندوب «الأسوشييتد برس» إن «حرب التحرير كانت شرسة وتسببت في خسائر بشرية جمة ولكننا حاربنا من أجل فيتنام لأنه لا شيء أثمن من الاستقلال والحرية». ويذكر أنه قال إن إصرار الشعوب على النهوض يجعلها شديدة البأس والقوة. ودلل على ذلك بأن قاذفات القنابل الأميركية من طراز بي 52 كانت الأحدث ولكن كان علينا أن نهزم الحديث بالبسيط والعتيق وفي النهاية تحقق الانتصار للإرادة الإنسانية.

ومما يذكر أن انشغال جاب بالسياسة والأحداث استمر معه حتى تجاوز سن التسعين. واستمرت لقاءاته مع زعماء العالم واحتفالهم بمؤلفاته.

منذ عام 1911 وهو العام الذي شهد مولد الجنرال جاب إلى عام 2013 حين توفي، شهد العالم الكثير من الحروب والمعارك بدءا بالحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وحروب جنوب شرقي آسيا والعدوان الثلاثي على مصر وحرب النكسة وحرب العبور وحرب الفولكلاند وغيرها كثير مما لا أذكر. وبرزت على الساحة العالمية أسماء لقادة وزعماء كتبت أسماؤهم بحروف من نور. هؤلاء اكتسبوا محبة شعوبهم واحترام خصومهم. وما يجمعهم حقا هو أن كلا منهم كان له هدف. ولكي يتحقق ذلك الهدف عكف كل منهم على وضع خطة للوصول.

وعلى الرغم من أنني لا أدعي فهما موسوعيا للسياسة تمنيت سرا أن يكف الزعماء العرب عن استراتيجية الخطاب العاطفي لاكتساب حظوة عند شعوبهم. تمنيت أن يأتينا قائد عنده فكر وخطة تحقق الهدف ولو بعد حين. تمنيت أن يكون الهدف هو رفعة الأوطان التي من ترابها خلقنا وإلى ترابها نؤوب.