السادات والعبور

TT

مما لا شك فيه أن ذكرى نصر أكتوبر (تشرين الأول) هذا العام جاءت مختلفة. كان هناك إصرار من المصريين على الاحتفال رغم التحذيرات والتهديدات من هؤلاء الذين يستلذون بالعكننة على المصريين وقلب أفراحهم إلى أحزان ومآتم، وخرج علينا كبار الجهلة بهم ممن احترقت قلوبهم بالحقد والغل بشيء جديد وهو التشكيك في نصر أكتوبر الذي اعترفت به إسرائيل نفسها وأقرت بهزيمتها وقامت بعد الحرب بعمل لجان محاسبة وأقالت رؤوس أجهزتها، وقرأت لأحدهم كلاما أشبه بالهذيان، حيث اكتشف هذا الفذ أن حرب أكتوبر ما هي إلا مخطط أميركي لترضية مصر وعمل معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل! وبالطبع من الخطأ التعليق أو الرد على هؤلاء الحقدة؛ فلقد لفظهم المصريون وانتهى أمرهم إلى غير رجعة.

وهذا العام قدم لنا المخرج المبدع الشاب خالد جلال حفلا رائعا أسعد كل المصريين، خاصة عندما شاهدوا السيدة جيهان السادات في قلب الحفل لتعيد إلينا نسائم بطل مصر العظيم الرئيس الراحل أنور السادات. ما زلت أذكر ما حدث معي بعد حرب السادس من أكتوبر عام 1973، وكنت على متن الطائرة أنتقل من ولاية إلى أخرى بالولايات المتحدة الأميركية، وفوجئت بمن يجلس إلى جواري، وبمجرد معرفته بأنني مصري صارحني بشخصيته، وكان أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي، وقال لي: «كنا نعرفكم قبل السادات ونعرف عنكم كل شيء من خلال قراءة الصحف المصرية، ولكن السادات استطاع خداعنا ومفاجأتنا بالعبور الذي لم يتوقعه أي إسرائيلي، فلم نتوقع أن الجندي المصري يمكن أن يحطم المانع الترابي الذي يصل ارتفاعه إلى أكثر من 20 مترا».

وأذكر أثناء وجودي بجامعة بنسلفانيا للحصول على درجة الدكتوراه، وذلك قبل أن نتسلم سيناء من العدو الصهيوني، قيام سيدتين من إسرائيل بطواف أميركا كلها لتحذير الأميركان والضغط على البيت الأبيض لعدم إبرام أي معاهدات مع السادات بدعوى أنه ماكر مخادع؛ سوف يأخذ سيناء ولن يعطي إسرائيل سلاما أو أي شيء! وكانتا تدعوان لتشكيل جبهة لمنع تسليم سيناء للمصريين.

سنظل نفخر بالجندي المصري وبالرئيس السادات قائد هذا النصر العظيم الذي عزف سيمفونية خداع من أجل عودة الأرض غير مهتم بالهالة الزائفة التي تصنع زعماء دون إنجازات حقيقية على الأرض. من الصعب نسيان مشهد قتلة السادات وهم يحتفلون بنصر أكتوبر العام الماضي بدعوة من مرسي المعزول. صحيح أنهم قضوا العقوبة القانونية، لكن هناك لا تزال تنتظرهم العقوبة الإلهية في الآخرة؛ فهؤلاء أعلنوا أن الحديث عن قيامهم بمراجعات لأفكارهم في السجن لغو لا أساس له من الصحة!

أما عن المصريين فلن ينسوا أبطال أكتوبر والدماء الذكية الطاهرة التي ارتوت بها أرض الفيروز. سيظل مشهد الجندي المصري وهو يقتحم الساتر الترابي حاملا فوق ظهره مدفعا وزنه مائة وعشرون كيلوغراما محفورا في قلوبنا، وهو المشهد الذي حكى عنه علماء النفس في إسرائيل أنه سبب الصدمة والرعب لأنه ضد كل قوانين الطبيعة. إنني عندما أرى مشهد العبور أرى جنود مصر يحملون فوق أكتافهم حضارة وتاريخا يمتد لآلاف السنين يعبرون به، ويعلنون للعالم أن مصر ستبقى بلدا آمنا مستقرا.

عيد أضحى مبارك وكل عام وأنتم بخير.