أجمل زول

TT

في التاريخ العربي الحديث رجلان اختارا ترك الرئاسة والحكم، على أن يتركا البلاد في دمار وحروب أهلية: الجنرال عبد الرحمن عارف والفريق سوار الذهب. كلاهما كان عسكريا. لكن سوار الذهب طبعا وسلوكا وأخلاقا يختلف تماما عن الذين جاءوا إلى الحكم بانقلاب وذهبوا بانقلاب. عبد الرحمن عارف كان مختلفا عن عسكريي العراق، وخصوصا عن شقيقه عبد السلام، الذي حل هو محله بعد مقتله في سقوط طائرة هليكوبتر من المصادفات الشائعة في العالم العربي.

وصل عبد الرحمن عارف إلى السلطة مثل الذين نقرأ عنهم في حكايات الأطفال. كان رئيسا لأركان الجيش، لكنه لا يعرف الضباط ولا طموحاتهم ولا استعداد كل واحد منهم لأن يكون حاكما. وجاء بالدكتور عبد الرحمن البزاز رئيسا للوزراء، الذي أقام أهم تجربة قانون مدني خلال الفت+رة القصيرة التي قضاها والتي لم تتجاوز سبعة أشهر. كان الضباط المتنافسون يرون في البزاز عدوا وفي عبد الرحمن عارف لقمة سائغة تؤخذ بالعاطفة وليس بالقوة مثل شقيقه.

كان الفارق بين الشقيقين هو الفرق بين طبع فظ وطبع طيب، وبين رجل أصغى إلى صوت الرشاش يطلق على رفيقه عبد الكريم قاسم، ورجل لا يقدر على رؤية الدماء. ولذلك، عندما قيل له إن صفا من الضباط يريد السلطة، قال: هيئوا حقيبتي أولا. ونادى على رئيس الحرس الجمهوري، الذي هو جيش الرئيس التقليدي، وقال له: لا رصاصة واحدة حتى في الهواء.

كيف قيم العرب مرحلته؟ قالوا إنه رجل ساذج ووديع. أي إنه ليس بطلا. حاول البزاز رد الدولة العراقية عن التهور واستعادتها من العبث والطيش وحمق الانفعال، معتمدا على ثقة عبد الرحمن عارف به وبرؤيته للعراق الجديد.

العادة في العالم العربي، أن الذي يبقى هو الرئيس وليس الدولة ولا الوطن ولا الشعب. وهو ثمن لا قيمة له في بلاد ترفع شعار «بالروح بالدم» وتبني قصور الرئاسة من باب واحد، باب الدخول. وما إن يبلغ العتبة حتى يصبح كل شيء آخر أيضا ملكا له: إرادات البشر وحرياتها وأفكارها وأعراضها. لذلك، يصبح المقياس الوحيد الأقل سوءا وليس الأفضل حكما. أي من لم يستبح أعراض الأهل ومن لم يعلن الحرب على سويسرا بسبب فظاظة ابنه ومن ليست هواية ابنه جمع السيارات من الشوارع والبنات من البيوت.

اثنان من أصل كم؟ لا أحد يعرف المجموع الحقيقي ما بين انقلاب وانقلاب مضاد. اثنان منهم فقط خلعوا البزة وخرجوا بثياب مدنية. لم أتعرف إلى سوار الذهب عندما رأيته بالعمامة لو لم يبادر بالتحية. وعندها هتفت: يا أجمل زول في السودان!