النووي الإيراني بين خاتمي ونجاد وروحاني

TT

ما بين قرار نقل ملف البرنامج النووي الإيراني إلى وزارة الخارجية الإيرانية، وتصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن حكومته لديها الصلاحيات الكاملة، وتلك الإيجابية التي صاحبت زيارته إلى نيويورك واللقاء الوزاري الذي جمع ظريف مع مجموعة 5+1، يأتي الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وحسن روحاني، ليعطي دفعة قوية نحو تحقيق انفراجة للعلاقات بين البلدين.

وبين كل تلك الأجواء يأتي السؤال هنا: هل روحاني حقا قادر على تحقيق ما يصبو إليه الشارع الإيراني المتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية عن طريق حل إشكالية البرنامج النووي؟ وما الأوراق التي يحملها روحاني في حقيبته؟

للإجابة عن هذه التساؤلات والوصول إلى تصور منطقي ومعقول، نعقد هنا مقارنة بين كل من محمد خاتمي وأحمدي نجاد وحسن روحاني لنرى ما لهذا الأخير من أدوات لم تكن بحوزة سابقيه.

إنه عام 1997، خاتمي يحقق المفاجأة ويفوز بالرئاسة، ليبدأ معه عهد جديد لمن يطلق عليهم الإصلاحيون. سقف الوعود والتطلعات لمن انتخب خاتمي عال جدا يدفع بدوره إلى تهديد المحافظين، بل ومكانة المرشد نفسه. المؤسسات المؤثرة في إيران ما زالت في قبضة المحافظين في مقابل ما للإصلاحيين (السلطة التنفيذية – البرلمان). خاتمي يسعى إلى توسيع صلاحياته، الأمر مرفوض، فهو يسير خارج مصالح النظام الإيراني ويهدد مكانة المرشد.

ماذا عن الوضع الإقليمي؟ الغزو الأميركي للعراق 2003، وقبله أفغانستان، يلقي بظلاله على الجارة إيران، حسين سلامي نائب قائد الحرس يشير إلى القلق الشديد الذي انتاب طهران عام 2003 في أعقاب ذلك. حسن روحاني بوصفه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي يوقع على تعليق تخصيب اليورانيوم، ويوضح أن ما أقدم عليه أنقذ إيران من تبعات هي في غنى عنها.

إذن حقيبة خاتمي خاوية من أمرين:

1 - دعم المرشد.

2 - برنامج نووي متقدم يمكن أن يناور به.

ولكن لا تزال الأوضاع الاقتصادية في تلك الفترة في إيران جيدة، فالعقوبات لم تصل إلى درجات حرجة، ولذا فالمباحثات والحديث عن التفاوض وقتها كما يقول خاتمي، كانت تعد خيانة.

إنه عام 2005، المخاوف الإيرانية من الوجود الأميركي في العراق وأفغانستان تقلصت كثيرا. أميركا غارقة في المستنقع، تصل لدرجة عقدها لقاءات مع الجانب الإيراني باعتراف الطرفين للخروج من ذلك المستنقع. أحمدي نجاد يسير وفق ما يتناغم مع توجهات المرشد. إيران تقرر استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 في المائة والمخزون الإيراني في تزايد. العقوبات الاقتصادية في تصاعد. النظام الإيراني يطالب الغرب بتزويده وقودا لمفاعله البحثي في طهران. رفض غربي يقابله قرار إيراني برفع نسبة التخصيب إلى 20 في المائة. نجاد يفوز بدورة رئاسية ثانية في 2009. التوجهات القومية لنجاد ومواجهته المؤسسة الدينية والحرس الثوري تجعل نجاد يدور بعيدا عن مركز مجرة النظام الإيراني (المرشد)، بعد أن كان قريبا منها خلال الفترة الرئاسية الأولى، ليفقد شيئا فشيئا دعم المرشد. يسافر نجاد إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة. «إيران مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة ولا يوجد لديها أي إشكالية مع الشعب الأميركي»، يقول نجاد. يتلقى في أثرها سيلا من الانتقادات والرفض ليعود من جديد ويقول: «إيران أصبحت دولة نووية، ولا بد من التعاون مع الخارج، ولكن هناك من يرفض هذا الأمر داخل إيران».

برنامج نووي إيراني مع نسبة تخصيب تصل لـ20 في المائة ورقة قوية في حقيبة نجاد للتوصل إلى تفاهمات مع 5+1، يبددها ويفرغ محتواها تلاشي دعم المرشد لنجاد ومحاولة نجاد منافسته على إرثه التاريخي.

الاعتدال والأمل وشعار «المفتاح» تدفع بالأصوات الصامتة للتصويت بكثافة لحسن روحاني. الوضع الإقليمي، وخصوصا الأزمة السورية والعجز الأميركي حيالها، إن صح التعبير، ترفع من أسهم الموقف الإيراني حيالها مدعومة بالموقف الروسي. الوضع الاقتصادي في إيران بلغ درجات حرجة بعد أن تقلص تصدير النفط الإيراني ليصل إلى 900 ألف برميل. أفق الالتفاف الإيراني على العقوبات يضيق بعد محاصرة تصدير النفط ومن ورائه الصناعات البتروكيماوية وصناعة السيارات.

مجرة النظام الإيراني تستقرئ الوضع الداخلي والوضع الإقليمي والدولي لتخرج بالتالي:

1 - العقوبات الاقتصادية ضاغطة على الشعب الإيراني.

2 - الوضع الإقليمي يؤكد الوجود الإيراني والتأثير على الملفات المهمة فيه.

3 - الوضع الدولي منفتح على الحكومة الجديدة ويسعى للتعاطي البناء معها.

إذن آن الأوان لما أطلق عليه المرشد «المرونة البطولية». فما «المرونة البطولية»؟ إنها في أبسط صورها «المصلحة» التي يسعى النظام الإيراني لتحقيقها مع الالتزام بالثوابت وإثراء الإرث التاريخي للمرشد، والتي تدفع أهميته إلى أن يشير أوباما في كلمته إلى فتوى المرشد ويشيد بها، ويأتي حسن روحاني ليؤكد مكانة المرشد أيضا.

نقلب في حقيبة حسن روحاني لنجد التالي:

1 - وضعا اقتصاديا حرجا يحتاج لذلك المفتاح الذي رفعه في حملته الانتخابية.

2 - دعما صريحا له من المرشد.

3 - برنامجا نوويا مع نسبة تخصيب تصل لـ20 في المائة، قابلا للتفاوض على النسبة مع المحافظة على الثوابت.

مقومات تجعل موقف روحاني أقوى من سابقيه، ولكنه مكمل لما سبقه وضابط لحدوده التي يجب أن تأتي داخل دائرة النظام وتحت مظلة المرشد وتوجيهاته، وهو أمر يسير في أثره حسن روحاني دون أي نشاز.

الجميع يترقب نتائج ذلك التعاطي ويتساءل حول أثره على دول الخليج العربي. العبرة هنا لا تكمن في الترقب والانتظار للنتائج، فالسياسة فن الممكن والمصلحة هي من تقود الدول في تعاطيها على مستوى العلاقات الدولية. وبدلا من الترقب والانتظار، لنطرح هذا التساؤل ومن ثم نسقطه على دول الخليج العربي. هل كانت إيران ستصل إلى هذه الدرجة في موقفها تجاه برنامجها النووي ومحاولات الغرب التعاطي معها ومراعاة مصالحها، لو لم توظف أدواتها الداخلية والخارجية لتحقيق ما تصبو له؟

لدول الخليج العربي أدواتها وأوراقها الخاصة التي من شأنها أن تحول الموقف من الانتظار والترقب، إلى حرص من الطرف الآخر على أن لا يأتي ذلك التقارب على حسابها.

* أكاديمي إماراتي