هل تأخرت دول الخليج في تحالفاتها الشرقية؟

TT

لعقود طويلة ارتبط نشاط الدبلوماسية الخليجية بالنصف الغربي للكرة الأرضية، في حين ظلت الأنشطة المماثلة في بقاع العالم الأخرى مجرد محاولات تتطلبها مقتضيات المصلحة ولم تتجاوز في بعدها الزمني الحالة المؤقتة. بلا شك فإن الظروف الإقليمية والدولية والخبرة التاريخية كانت السبب الرئيس في التركيز على التحالفات الخليجية مع الغرب، وهو ما دفع إلى تكوين قاعدة ضخمة من المصالح المشتركة بين الخليج والغرب.

ولكن الصدمة الخليجية من الموقف الغربي الداعم لإعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط والتي ظهر واضحا خلال عام 2011، وأدى إلى فتور تاريخي في العلاقات الخليجية - الغربية، دفع حكومات دول مجلس التعاون إلى إعادة النظر في تحالفاتها التي قامت ببنائها تاريخيا مع الغرب.

ما يدفع لتأكيد ذلك تراجع عدد الزيارات لكبار المسؤولين الخليجيين إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وبالمقابل تراجع الصفقات التجارية والعسكرية، وتجميد عدد من المشاريع المشتركة. بالإضافة إلى حالة الانقسام الكبيرة في المواقف المشتركة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وتزامن مع ذلك ظهور تحالفات ثنائية بين بعض دول المجلس من جهة ودول الاتحاد الأوروبي منفردة من جهة أخرى.

التحول الأهم في العلاقات الخارجية الخليجية منذ بداية الألفية الجديدة يجري حاليا، فلأول مرة تتحول دائرة اهتمام السياسات الخارجية الخليجية من النصف الغربي إلى النصف الشرقي، وما يدفع بذلك حالة فقدان الثقة التي باتت مؤكدة في التحالفات التقليدية التي بنيت منذ نهاية النصف الأول من القرن الـ20 مع الغرب.

بعد نحو أكثر من شهر من الآن سنكمل ثلاث سنوات من هذا التحول في السياسات الخارجية الخليجية، وخلالها يمكن ملاحظة الكثير من الحقائق ممثلة في حجم الزيارات رفيعة المستوى لمسؤولي دول الخليج، وزيادة التبادل التجاري، وارتفاع الصفقات التجارية، ونشاط محموم من الدبلوماسية الخليجية في البلدان الآسيوية تبدأ من أنقرة وتنتهي في طوكيو.

أسباب هذا التحول التاريخي في التحالفات كثيرة، ويمكن إيجازها في فقدان الثقة بدول الغرب التي صارت مصداقيتها على المحك على المستويين الرسمي والشعبي في دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى تبنيها أجندات للتغيير السياسي في منطقة الشرق الأوسط، والدعم الغربي للجماعات الراديكالية لتنفيذ هذا التغيير، فضلا عن تقاطع بعض المصالح الغربية الاستراتيجية مع طهران بصورة غير مباشرة. وكذلك تراجع الغرب عن فكرة حماية الحلفاء الاستراتيجيين في الخليج العربي، وهي الفكرة التي جرى تبنيها بعد حرب الخليج الثانية في عام 1991، وبناء عليها أبرمت اتفاقيات الدفاع المشترك بين واشنطن ومعظم دول مجلس التعاون.

السؤال هنا؛ هل تأخرت دول الخليج في تحالفاتها الشرقية؟

ما يجيب عن هذا السؤال، هوس الباحثين الأميركيين في مجال العلاقات الدولية، والذين انصبوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تحليل مستقبل السياسة الخارجية الأميركية في تزايد احتمالات تراجع نفوذها في النظام الدولي، وبات التركيز على كيفية التعامل مع التنين الآسيوي متمثلا في الصين.

توقعات كثيرة بأن عام 2020 ستكون فيه الصين القوة الأعظم في النظام الدولي بدلا من الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه هناك انقسام بين من يرى أن النظام الدولي سيصبح متعدد الأقطاب، وآخرون يرون أنه سيواصل أحاديته القطبية ولكن بقوة جديدة هي الصين.

في كلا الرأيين، فإن الصين طرف أساسي ستتحول من قوة كبرى إلى قوة عظمى بعد 7 سنوات من الآن، وعليه فإن الرهان على الغرب ليس مجديا تماما. وبالتالي فإن الإصرار والاستمرار في التحالف مع الغرب بنفس الوتيرة لا يمكن القول إنه غير مفيد بل يجب الحفاظ عليه مع ضرورة تغيير شكل التحالف والنتائج المترتبة عليه، والبحث عن خيارات وفرص أخرى.

ليس مهما كثيرا للمصالح الاستراتيجية الخليجية أن تتركز في الغرب، ولكن الأهم من ذلك هو إحداث حالة من التوازن في العلاقات الخارجية بهدف زيادة هامش المناورة في توازن القوى والمواقف الدولية وحتى التفاعل السياسي. فعدم التوازن الذي ظل قائما لعقود طويلة وضع دول مجلس التعاون في موضع محرج وصعب ومفاجئ عندما لم يتم تقدير التحالف الخليجي - الغربي، وما زالت دول الخليج تدفع ثمنه اليوم، وتحتاج إلى وقت حتى تتمكن من إحداث التوازن المطلوب.

القوى الآسيوية كثيرة، وأبرزها الصين والهند واليابان وباكستان، وجميعها تتمتع بعلاقات جيدة لسنوات طويلة مع دول مجلس التعاون، ولكن هذه العلاقات لم تصل يوما إلى حالة التحالف كما هو الحال بالنسبة للغرب سابقا. ومن أجل الإسراع للوصول لهذه المرحلة، فإنه من المهم أن يجري تقديم المزيد من الفرص والتسهيلات للقوى الآسيوية سواء كانت في كميات النفط المصدرة، أو الصفقات العسكرية، أو حتى السعي لإبرام اتفاقيات تجارة حرة من شأنها إقامة شراكة مستقبلية بين الطرفين.

كنت من المرافقين لملك البحرين في زيارته التاريخية الأخيرة للعاصمة الصينية بكين، وهناك كان لافتا مدى اهتمام القيادة الصينية بإبرام اتفاقية التجارة الحرة، وكان ذلك على لسان الرئيس الصيني ورئيس وزرائه، حيث طلبوا من ملك البحرين دعم مشروع اتفاقية التجارة الحرة الخليجية - الصينية، وقدمت لهم وعود بحرينية بضرورة بحث الموضوع من قبل أعضاء المجلس الأعلى للمنظومة الخليجية قريبا، خصوصا وأن المنامة هي دولة الرئاسة الحالية لمجلس التعاون. ومثل هذا الطلب يعكس الرغبة الآسيوية بتعزيز تحالف مع دول الخليج العربي.

فات الكثير من الوقت على إقامة التحالفات الخليجية - الآسيوية، ولكن ما زالت الفرص الكبيرة قائمة. والمطلوب اغتنام هذه الفرص لا أكثر.

* رئيس تحرير صحيفة «الوطن» البحرينية