مسؤولية الحج وشهية التطوير

TT

حينما سئل وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف كيف ستتمكن السعودية من حفظ أمن الحجيج هذا العام مع الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، كان رده بأن السعودية كانت دائما ما تأخذ كل الاحتمالات على محمل الجد من منطلق مسؤوليتها.

هذا التصريح يعود بذاكرتنا إلى بداية ثمانينات القرن الماضي حينما كان الخميني، أول مرشد أعلى للثورة الإيرانية، سببا للسعي إلى تسييس وبالتالي تهديد موسم الحج لأعوام عدة تعاملت معها السلطات السعودية بأقصى درجات الحلم من جانب والحزم من جانب آخر.

يظل تنظيم موسم حج آمن وميسر همًّا سعوديا مؤرقا، ليس لصعوبة التنظيم نفسه، إنما للاجتهاد في ابتداع أفكار جديدة وخطط تواكب حجم التحدي الذي يزيد مع تداعيات وظروف المنطقة، ومنذ توحيد المملكة حتى موسم حج هذا العام لم تخلُ خطة حج من أفكار تنظيمية خلاقة، وأذكر ويذكر المسلمون كيف كان منسك رمي الجمرات مصدر قلق للمنظمين بسبب حوادث التدافع التي شهدتها بعض المواسم، اليوم يستطيع الحاج ومن خلال مشروع جسر الجمرات أن يجد فرصة للرمي، ثم يستدير بوجه متبسم لكاميرات التصوير، ويتوقع أن يتكرر هذا النجاح بعد الانتهاء من توسعة الحرم المكي في عام 2015.

هذه الجهود الظاهرة جعلت من دول العالم الإسلامي متقبلة لأي تنظيم أو إجراء تتخذه السعودية لسلامة وأمن الحجيج، هناك ثقة كبيرة في أن فريضة الحج في أيدٍ أمينة تستميت لتقديم خدمة جليلة ميسرة لكل مسلم أتيح له القدوم، وهو ما حدا بالدول الإسلامية لتفهم خفض نسبة الحجيج 20 في المائة كإجراء طارئ هذا العام بسبب مشروعات التوسعة القائمة، مع خفض نسبة مضاعفة بلغت 50 في المائة لحجاج الداخل.

من أبرز ما لفت الانتباه في تصريح وزير الداخلية السعودي الإعلان عن موافقة ملكية لإنشاء قوات خاصة بأمن الحج والعمرة من 40 ألف رجل أمن، بخلاف القوات السابقة من الداخلية والدفاع والحرس والاستخبارات التي تصل إلى 95 ألفا.

قوات أمن الحج ستكون متخصصة لموسم الحج والعمرة، يجري تدريبها وتأهيلها خصيصا لهذا الموسم لحفظ أمن ما يقارب 3 ملايين إنسان في مساحة محدودة وأيام معدودة. ومع وجود كاميرات مراقبة موزعة في كل المشاعر المقدسة سيسهل على رجال الأمن مراقبة ورصد تحركات الحجيج في كل الأوقات والتدخل وقت الضرورة.

الموقف السعودي الرافض لتسييس الحج مفهوم وواضح، ولكن هذا لا يعني أنه رادع لمن تحدثه نفسه استغلال التجمع الإسلامي الكثيف لفرض أجندة أو تحريض الجموع، وفي هذا الجانب إعمال القوة والإعلان عنها وسيلة من وسائل الردع الاستباقية، وهذا ما يعنيه إنشاء قوات أمن خاص كعمل وقائي.

تصريح وزير الداخلية السعودي يعني أننا مقبلون على تنظيم أمني جديد، ولكنه مستمر في مواسم مقبلة، حتى تلك التي قد لا تشهد اضطرابا إقليميا، في الحقيقة هذا يعني أننا أمام شهية مفتوحة لتطوير خدمة الحج، سواء أمنيا أم خدميا، ليست مرتبطة بظروف بعينها.

لا يستطيع المرء وهو يعيش هذه اللحظات الروحانية إلا أن يتأمل موسم الحج تأملا موضوعية شفافا، ويفكر كيف يمكن أن يتعرض موسم الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام، لتهديد أمني، أيا كان حجمه، من مسلمين؟ وأيا كان منطلق اختلافهم وخصومتهم. لنتفكر في هذه المسألة بتجرد، هذا الاستنفار الأمني الموسمي يدفع للاستنكار كيف أن من يتربص بالمسلمين السوء وهم يطوفون ويسعون وينحرون هديهم ويرمون الجمرات، هم من بني جلدتهم، ليست إسرائيل مثلا التي أحرقت المسجد الأقصى يوما ما، في حين أن السلطات السعودية تحرس موسم الحج كل عام من خطر محتمل.

أمن الحجيج، إن جئنا لما يفترض أن يكون هو مسؤولية كل مسلم قادم من أصقاع الأرض راجيا من الله تعالى قبول سعيه، جزء من تمام حجه هو أن يكون سببا من أسباب نجاح موسم الحج.

المسؤولية ليست رسمية فقط بل دينية وأخلاقية تقع على كاهل كل حاج، وينظر إليه على أنه مدرك أن من أولويات أعماله الصالحة قبل أن يفكر في إتمام حجه أن يحرص على أن يسلم إخوته المسلمون من لسانه ويده.

[email protected]