ممنوع تسييس الحج

TT

في موسم حج 1987 حدثت مواجهات شرسة بين عناصر من الميليشيات الشعبية الإيرانية، وبعض الحجاج، مع قوات الأمن السعودية وبعض الحجاج الآخرين أيضا. أذكر جيدا هذه الأحداث الدامية لسبب مباشر، وهو أنني كنت حاجّا ذلك الموسم، وأتذكر كيف سرى الخبر بين الجميع في كل مكان، من مواقع العزيزية ومنى وغيرها.

تذكرت هذه الأحداث الدامية، في خضم تهديدات أتباع جماعة الإخوان بالتظاهر، ورفع الشعارات السياسية، وأصابع رابعة الصفراء، وتحذيرات الحكومة السعودية، على لسان وزير الداخلية ووزير الحرس الوطني، من هذا الأمر. محاولة استغلال موسم الحج الحاشد لغرض سياسي ليست جديدة. موسم الحج مغرٍ بالخطابة وإعلان الرسائل السياسية، بسبب طبيعة الحشد وخصوصية المناسبة.

لو فُتح هذا الباب لتحولت شعائر الحج ومشاعر منى وعرفة والحرم إلى ساحات صدام وصراع بين أطراف هذه الخلافات، في كل أصقاع العالم.

مجلة «المجلة» نشرت، في عددها الأخير من أرشيفها، تغطية ممتعة عن أحداث الشغب الإيرانية في حج 1987، معززة بالصور الخاصة.

مما جاء في هذه التغطية، في بيان الداخلية السعودية، أن عدد الوفيات، نتيجة هذه الأحداث «الغوغائية»، حسب وصف البيان، بلغ 402 من الأشخاص، من قوات الأمن والحجاج من إيران وغيرها، إضافة للمواطنين، وخسائر مادية أخرى.

كان الموقف السعودي، حينها، صارما، في رفض محاولة إيران استثمار هذا الحدث، والأبرز كان تعليق السياسي الإيراني المعارض أبو الحسن بني صدر، حيث ذكر أنه يملك معلومات دقيقة عما حدث في مكة، وعن الأهداف الإيرانية التي سعى إلى تحقيقها المتظاهرون.

وعن رأيه فيما حدث، قال بني صدر، في ذلك التصريح، إن الخطة الإيرانية كانت جزءا من استراتيجية الحرب الدائرة في منطقة الخليج، وإن ما نُفّذ في مكة اندرج تحت اسم «خطة الشهيد»، والمسؤول عن تنفيذها كان الغفاري، وهو نائب في البرلمان الإيراني. والهدف من هذه الخطة، كما قال بني صدر، كان التظاهر والاحتجاج، مع الأخذ في الاعتبار (كما تعتقد إيران) أن السلطات المعنية لن تقاوم هذه المظاهرة، وستتسامح، كما فعلت في السنين السابقة.

تبخرت محاولة إيران تلك، وكانت هي الأعنف، وستتبخر محاولات كل من يريد السير على خطى المرشد وحرسه؛ مرشد السنة أو الشيعة.

لولا هذه السياسة لتحول موسم الحج إلى ساحات للعراك والصراع الدامي كل عام.