دبلوماسية الجينز التي أثارها نتنياهو!

TT

لقيت المقابلة المقابلة الأخيرة التي أجرتها محطة تليفزيون بي بي سي الناطقة باللغة الفارسية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ردود واسعة النطاق من الشباب الإيراني داخل وخارج إيران على مدى الأيام القليلة الماضية. بُثت هذه المقابلة في يوم السبت 5 أكتوبر (تشرين الأول). وأكد نتنياهو خلال المقابلة، على نقطتين كانتا سببا في تغيير الجو العام للصفحات الإيرانية على مواقع الفيسبوك وتويتر والمدونات والمواقع الإلكترونية وهلم جرا. وأدت تعليقات نتنياهو إلى ظهور رد فعل قوي ومدوي بين الشباب. ولكن هل تعرف ماذا قال نتنياهو؟

صرح نتنياهو في مقابلته قائلا: «إذا كان الإيرانيون يتمتعون بالحرية لكان بإمكانهم ارتداء الجينز الأزرق، والاستماع للموسيقى الغربية.»

وعقب هذا التصريح، ظهر عدد كبير من الصور على شبكة الانترنت. ونشر بعض الشباب، بما في ذلك هلا صدق، الشاعرة الإيرانية المشهورة والتي سُجنت بالفعل بسبب قصائدها الداعمة للتحرك الأخضر الإيراني، صورا يظهرون فيها مرتديين السروايل الجينز. وعلاوة على ذلك، التقط بعض الشباب صور ومقاطع ونشروها على مواقعهم الإلكترونية.

وتضمنت المناقشات أيضا أحاديث الشباب عن أحدث ألبومات الموسيقى الغربية وأمور من هذا القبيل.

وتقول إحدى التغريدات: «نتنياهو، هنا متجر يبيع أسلحة دمار شامل في إيران» وتظهر في التغريدة صورة لمحل يبيع سراويل الجينز، وقد نُشرت هذه الصورة في الأصل من قبل وكالة أخبار إيرانية شبه رسمية.

وغرد مستخدم إيراني آخر قائلا «يا نتنياهو، لقد اشتريت بنطلون جينز منذ ثلاث أيام.»

إن الربط بين أسلحة الدمار الشامل وارتداء الجينز يعتبر مثالا لروح الدعابة القوية لدى الإيرانيين.

ونشر شخص آخر، وهو طالب يدرس الدكتوراه في أوكسفورد، تعليقا مليء بالأفكار على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.

إننا أمام خطأين فادحين بالنسبة لتفكير نتنياهو. فأولا وقبل كل شيء، يعتقد نتنياهو أن ارتداء السروال الجينز يعد أمرا محظورا في إيران. ويعرف الجميع بالتأكيد أن هذا الأمر ليس هو القضية. وثانيا: يقول نتنياهو أن إيران تريد إنتاج قنبلة نووية. وهذا تحدي هائل! وأود التركيز على أربع نقاط في هذا الصدد:

1) على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، نشر علي مورتازافي صورة يظهر فيها فتى إيراني يتحدث هامسا في أذن المرشد الأعلى آية الله خامنئي. وهذا الفتى الذي يظهر في الصورة هو ابن أحد العلماء النوويين الإيرانيين الذين تم اغتيالهم من قبل إرهابيين. وتزعم إيران أن العملاء الإسرائيليين والموساد هم الذين قتلوا هؤلاء العلماء. ويرفض نتنياهو هذا الإدعاء قائلا بعبارته الشهيرة «لا لا، كلما يحدث شيء في إيران، فإنهم يتهمون إسرائيل ويلقون باللائمة عليها.» الأمر الجدير بالذكر، وفقا لما رصده مورتازافي، هو نوع السروال الذي كان يرتديه ذلك الفتى، حيث كان بالطبع مرتديا سروالا من الجينز! وكان والده قد قٌتل بسبب إسرائيل أو أن القتلة – على أقل تقدير – قد اعتقدوا بأن والده كان يقوم بإنتاج قنبلة نووية.

2) يقول نتنياهو أن إيران تمتلك حاليا 185 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب. ولكي تتمكن إيران من إنتاج قنبلة، فإنها ستحتاج إلى 250 كيلو غرام. والآن هناك تساؤل منطقي وحساس للغاية يطرح نفسه ألا وهو: إذا وضعنا في الاعتبار أن حكم نتنياهو بشأن ارتداء سروال جينز في إيران كان خاطئا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكيف يمكنه إذن أن يعرب عن رأيه بشأن موضوع سري للغاية وبهذا القدر من الأهمية؟

عندما يرسل نتنياهو رسالة خاطئة بشأن موضوع جلي للغاية، وهو ارتداء السروال الجينز في إيران والاستماع إلى الموسيقى الغربية، فيكف يكون متأكدا بشدة من مسألة بالغة السرية مثل كمية اليورانيوم المخصب المتاح لدى إيران؟

3) يزعم نتنياهو بأنه في حال نجاح حكومة إيران في إنتاج سلاح نووي، سيستمر هذا النظام في السيطرة على مقاليد السلطة مدى الحياة. وهناك مشكلتان متعلقتان بهذه الفكرة. فبمقتضى هذه الرسالة، يرسل نتنياهو رسالة إستراتيجية إلى حكومة إيران تقتضي ضمنيا وبطريقة غير مباشرة بأنه إذا كانت الحكومة تريد البقاء في السلطة مدى الحياة، فما عليها حينئذ سوى إنتاج قنبلة نووية! بيد أن هذا الأمر أيضا غير صحيح، حيث إننا قد رأينا جميعا سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان قوة استبدادية عظمى تمتلك عدد كبير من القنابل النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، ولكن تمكن الشعب في النهاية من إسقاط النظام.

4) في مقابلته مع بي بي سي الفارسية، أكد نتنياهو على براعته وحنكته ثلاث مرات قائلا «لسنا ساذجين». وعلى الرغم من ذلك، فقد برهنت المقابلة التي أجراها على أنه ليس ذكيا بالقدر الكافي! عندما يكون الشخص بصدد التحدث عن موضوع، يتعذر عليه التأكد بشأنه مع وجود حالة من التأرجح، فيتعين عليه حينئذ أن يتكلم بالاعتماد على مبدأ الريبة، فقد يستعمل، على سبيل المثال، مفردات مثل ربما وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، صرح نتنياهو بأنه سيشهد سقوط الحكومة الإيرانية في فترة حياته. وفي هذا الصدد، هناك تساؤل بسيط للغاية يطرح نفسه: متى سيموت نتنياهو؟ من المنطقي أن الإجابة عن هذا السؤال ليست واضحة، وعليه فكيف يتسنى له الربط بين سقوط النظام الإيراني وبين حدوث ذلك في فترة حياته؟

فعلى سبيل المثال، عندما أراد شيمون بيريز، بوصفه سياسي إسرائيلي بارع، أن يتحدث أو يصدر حكما بشأن إيران، كان متحفظا بشكل قاطع. ويقول بيريز في الفقرة الأولى من الفصل 19 من مذكراته:

«إيران دولة لا يعرف فيها الغرباء ولا حتى أكثر العالمين ببواطن الأمور ما يدور في كواليس الأحداث» (شيمون بيريز، المعركة من أجل السلام، صفحة رقم 210).

لقد أخفق نتنياهو في دبلوماسية الجينز الخاصة به، حيث ألقى بالمزيد من الشكوك حول مدى قدرته على التكهن بمستقبل النظام الإيراني.

وعلاوة على ذلك، تحولت مقابلة نتنياهو إلى كابوس كبير لبي بي سي الفارسية. مما يعني أن بنيامين نتنياهو قد تسبب في مشكلة عويصة لبي بي سي. فقد قرأت ما يزيد عن 2700 تعليقا على صفحة بي بي سي الفارسية على موقع الفيسبوك كرد فعل على المقابلة التي أُجريت مع نتنياهو، تشير جميعها إلى أن المقابلة الرسمية للغاية وغير المثيرة للجدل مع نتنياهو خلقت موجة جديدة وقوية معادية لإسرائيل. ويمتلك الجيل الجديد في العالم، بما في ذلك الأجيال الموجودة في إيران، روح دعابة قوية. وتعتبر هذه النزعة إنجازا عظيما من إنجازات عصر وسائل الإعلام الاجتماعية. ولك أن تتخيل إمكانية قراءة وترويج أكثر من 2700 تعليقا، وفي ظل التعامل مع شبكة الانترنت المفعمة بالحيوية، ستجد رد الفعل على معظم هذه التعليقات.