الحرب العربية ضد الإرهاب!

TT

عبرت الأوساط السياسية في المغرب عن قلقها من عودة المقاتلين المغاربة من الساحة السورية إلى الدولة مما ينذر بعودة الإرهاب إلى الدولة مرة أخرى وهي التي عانت منه في حوادث مروعة سابقة. في أقصى المشرق العربي في العراق تعددت تفجيرات السيارات المفخخة، وبات مشهد الأشلاء والدماء والضحايا معتادا. في قلب العالم العربي تعددت حوادث الإرهاب في مصر حيث أخذ بعضها صورا تقليدية في سيناء حيث صارت صراعا مسلحا، ولكنها داخل وادي النيل أخذت شكلا وحشيا بالاعتداء بقذائف الـ«آر بي جي» على المؤسسات العامة، وترويع الآمنين من خلال تهديد الحياة الطبيعية للسكان. أضف إلى كل ذلك القلق في جنوب الجزائر من المقاتلين في مالي والحركات «الجهادية» في المغرب الإسلامي، وحالة التوتر التي يشيعها «الجهاديون السلفيون» في الجنوب التونسي، ومعظم أنحاء ليبيا. وفي سوريا اختلطت الثورة على النظام الاستبدادي البعثي بمحاولات شرسة لكي يقوم نظام استبدادي آخر تحت راية الدين. الأمثلة كثيرة في اليمن، وبقية العالم العربي الذي بات مسرحا للإرهاب تحت راية الدين - والإسلام منه براء - مستغلا حالة القلق والاضطراب السياسي التي أعقبت ما سمي بثورات «الربيع» العربي. على أي حال، لم يعد أحد يذكر هذا الاسم، ولكن تبعاته وآثاره لا تزال باقية، وفي المقدمة منها ارتفاع نجم حركات الإخوان المسلمين، واندماجهم تدريجيا مع حركات السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة التي باتت أعلامه شريكا مع أعلام أخرى في مظاهرات «الجماعة».

المعركة ضد الإرهاب فضلا عن تفاصيلها المحلية الخاصة بكل بلد، فإنها معركة إقليمية بامتياز، بمعنى أنها بشريا تتجاوز الحدود السياسية للدول من حيث حركة المقاتلين، وتسليحيا فإن انتقال السلاح لمعاونة التنظيمات الإرهابية المختلفة في بلدان متعددة يجري على قدم وساق. ورغم أن ليبيا شكلت المصدر الرئيس للأسلحة بنوعيات مختلفة وكثير منها متقدم، فإن مصادر أخرى تساهم في صب الزيت على النار خاصة من دول فاشلة أخرى مثل الصومال والسودان. ولكن الإضافة الكبرى العابرة للحدود تمثلت في حركة الإخوان المسلمين، التي يوجد لها في كل بلد جماعة وتنظيم ووسائل لجمع المال والسلاح وإشاعة الاضطراب في الدولة التي توجد فيها، والدول العربية الأخرى. فالحقيقة هي أن انضمام جماعة الإخوان للحركات الإرهابية استفاد في البداية من أن الجماعة شكلت المنبع الفكري للإرهابيين، ومنها خرجت الكتب والفلسفات التي قادت مفكريها في النهاية إلى أفكار سيد قطب. ولكن من ناحية أخرى، فإن جماعة الإخوان ظل لديها دوما قدرات مالية وتنظيمية تتحرك على أساس كوني بما فيها داخل الدول الغربية، وبقدرة سياسية أكبر على الحركة في نحو 80 دولة من دول العالم. وتبدو الصورة في النهاية أن الحركات الإرهابية أضافت عضلاتها وقدرات مقاتليها الذين عادوا من أفغانستان وباكستان إلى الدول العربية، بالإضافة إلى من خرجوا من السجون إبان حكم الإخوان في مصر ومناطق أخرى، إلى القدرات الفكرية والتنظيمية للإخوان التي حصلت أيضا على مدد إضافي من دول وقنوات معروفة والتي أصبحت البوق الدعائي للتحالف الجديد.

مثل هذا التحالف لا يستهدف بلدا عربيا بعينه، فهدفه الأقطار العربية جميعا، وربما تبدو مصر هي ساحة المعركة الكبرى الآن، إلا أن حركة الجماعة وأتباعها من الإرهابيين لا تغفل بلدا عربيا أو آخر. وإذا كانت الحرب إقليمية بامتياز فإن التعامل معها يجب أن يكون على نفس المستوى، وقد ظهر بعض منه في العون الاقتصادي الذي تلقته مصر من الدول العربية الشقيقة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت. عدد آخر من الدول العربية قدم التأييد، كما أن التعاون الأمني والاستخباراتي يجري وفق مستويات لا بأس بها ساعدت وتساعد على إفشال أهداف الإخوان في السيطرة على كل بلد عربي على حدة. وحتى في البلدان التي لا يزال فيها الإخوان في السلطة مثل السودان وتونس، فإنهم يحاربون معركة دفاعية في مواجهة ضغط شعبي عارم. وكل ذلك محمود، ولكنه ليس كافيا لأن التنسيق والحركة المشتركة بقيادة الإخوان هذه المرة يجري بمرونة هائلة، ويحشد موارد فوق قطرية كبيرة، ولديه من التصميم والاستخدام للدين ما يعطيه مميزات تكتيكية لا بأس بها. ومن عجب أن الإخوان الآن باتوا يستخدمون سلاح «الديمقراطية» والحديث عنها بوجد وحب ووله، وهم الذين كفروها من قبل، وعندما وصلوا إلى السلطة أقاموا ولاية الفقهاء (راجع الدستور المصري لعام 2012)، وجعلوا الشعب مصدر السلطات يمر من الطاقة الصغيرة للتفسيرات الدينية الضيقة. ولكن اللعبة انطلت على الغرب ودول أخرى حتى أصبح لهم فيه حلفاء ودعاية ونقاط ارتكاز. ورغم أنه ليس معلوما من يستخدم من في هذه اللعبة، فحسبنا الآن تبيان أن تحالفا قد جرى، وقامت جماعة الإخوان بدور الجسر الذي تسير عليه الجماعات الإرهابية.

ولأن الحديد لا يفله إلا الحديد، فإن مثل هذا التحالف المشؤوم لا يواجهه إلا تحالف آخر يتعدى المستويات الحالية من التعاون لكي تصل إلى التخطيط المشترك، والاستراتيجية المشتركة، والأدوات المستخدمة في اتساق كامل من أجل الانتصار في المعركة ضد الإرهاب. هذه المعركة لها ثلاثة أبعاد: أولها أنها معركة القلوب والعقول لأن فيها قيما ومبادئ، فيها الدين والديمقراطية، وببساطة لا ينبغي للذئاب والوحوش والقتلة أن تكسب المعركة الفكرية أمام الجماهير العربية. وثانيها أنها معركة معلومات، فالحرب على الإرهاب هي قتال يقوم على معلومات عن حركات جماعات صغيرة، ولكنها مميتة ولديها من الدوافع ما يجعلها مستعدة للموت والقتل وإجراء المذابح من دون أن تطرف لها عين. وثالثها أنها معركة تكنولوجيات مختلفة عما اعتدناه في المعارك التقليدية التي تتضمن المدفعية والدبابات والطائرات والصواريخ والأسلحة المعاونة والمضادة لهم. هذه المرة فإن الأقمار الصناعية التي ترى وترصد سلاح مهم، وكذلك أدوات التقصي والمجسات التي تحس وتنذر، وطائرات الهليوكوبتر التي تتابع وتطارد، وطائرات «الدرون» التي تراقب وتسجل وأحيانا تكون سلاحا ماضيا. المؤكد أن المتخصصين سوف يكون لديهم ما هو أكثر، ولكن الأهم هو أن يكون هناك آلية سياسية وعسكرية تكفل التعاون في كل هذه المجالات بحيث تكفل الحركة المستمرة عبر الحدود لمواجهة حركة المقاتلين وتهريب الأسلحة، والأهم من ذلك كله كسب معركة القلوب والعقول لأنها الأصل في المعركة الدائرة بامتداد العالم العربي كله طولا وعرضا وعمقا.