في مكة المكرمة

TT

شُرفت بدعوة كريمة للحج هذا العام، وهي الحجة الثانية لي والحمد لله. وكنت في المرة الأولى وكأي حاج إلى بلد الله الحرام قد دعوت الله أن يمن عليّ بالعودة مرة ثانية لأداء مناسك الحج وزيارة قبر نبي الهدى والرحمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وها أنا أجد دعوتي قد تحققت ووقفت على عرفات أدعو الله، وأشعر أن دعائي يملأ الكون كله.

والوقوف على عرفة والدعاء ليس هو الهدف والمقصد، وإنما مكاشفة النفس ومراجعة لعمل الإنسان كله بحلوه ومره، خيره وشره.. في لحظات وهي التي تسبق غروب شمس يوم عرفات يرى الحاج حياته كلها تمر أمام عينيه ينفصل بها عن كل البشر حتى لو كان وقوفه وسط ملايين من الناس؛ فالسكون مطبق لا يسمع إلا همهمات ومناجاة لخالق الكون العظيم.. ويشعر من يقف بعرفات في تلك اللحظات بالذات بكينونته وبأنه جزء من نسيج الكون العظيم، وكل حاج يختاله يقين أن رب الكون يستمع له ويجيبه ويستمع له مهما طال الدعاء وكثرت المناجاة، والكل يشعر أن اليوم هو يومه فقط، وأن عرفات إنما تحت قدميه هو فقط.. ما أروع إحساس يوم عرفة وما أطيب النوم بمزدلفة وهو نوم الآمن المطمئن.. كنوم طفل ارتوى وشبع بعد ظمأ وجوع، فنام ولم يقترف ذنبا واحدا ولا جرما واحدا.

وكان بعد أن منّ الله عليّ بالحج هذا العام أن أنعم عليّ بصحبة صديق أحبه من كل قلبي وأحترمه وأقدره، وهو الكاتب الكبير صلاح منتصر الذي حج معي هذا العام، فكانت نعم الصحبة لخير البقاع وأشرفها، ورغم الانقطاع التام لأداء المناسك والدعاء والمجاهدة لغسل القلب والروح وتنقية النفس من شرور الدنيا، إلا أنني يجب أن أعترف بأن صاحبي في الحج هذه المرة كان نعم الصحبة وخير رفيق.. وقد أعانني على التفرغ للعبادة والبقاء لأقصى ما يمكن ببيت الله الحرام للصلاة وقراءة القرآن والدعاء وتذكر تاريخ الكعبة المشرفة والأحداث التي شهدتها عبر تاريخها الذي لا يعرف بدايته سوى صاحب البيت رب العزة تبارك وتعالى، وقد غيرت هذه الأحداث مجرى التاريخ الإنساني مرات ومرات.

وأحب ما أراه في بيت الله الحرام مقام إبراهيم عليه السلام وهو موضع صلاته وجهاده أثناء إعادة إعمار بيت الله الحرام، ثم الحجر الأسود الذي وضعه رسول الله بيده الشريفة على بساط حمله المختلفون فنال الجميع شرف وضعه من دون تمييز ووئدت الفتنة قبل أن تبدأ، وماء زمزم الذي تسبح ذراته الله تسبيحا دائما من يوم أن تفجر من الصخر وإلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

لقد دعوت إلى كل من جاء اسمه إلى ذاكرتي، سواء لسبب أعرفه أو لا أعرفه، وكم من الأسماء التي وجدت نفسي أذكرها وأدعو لها من دون سبب أعلمه، لكنه الحج، وكم به من غرائب ومعجزات إلهية، وكان دعائي أيضا هو طريقتي في التعبير عن شكري وفرحتي بهذه الحجة، فدعوت لخادم الحرمين الشريفين أن يجازيه الله خير الجزاء.

ودعوت لأحبابي بالمملكة العربية السعودية على ما يقومون به من مجهود خارق لخدمة ضيوف الرحمن، ودعوت لأخي العزيز السفير أحمد قطان سفير المملكة لدى مصر، الذي استطاع أن يكون أخا لكل المصريين.