مجرد تغيير في الاسم

TT

يوم الاثنين الماضي، 14 أكتوبر (تشرين الأول) صدر آخر عدد من «الهيرالد تريبيون»، اليوم التالي، بالحرف نفسه، بالحجم نفسه، بالكتَّاب أنفسهم، بدأت في الصدور باسم مالكتها الأخيرة: الـ«نيويورك تايمس إنترناشيونال». لن تغيب الصيغة، إذن، لكن سوف يغيب اسم أول صحيفة دوليّة في العالم.

بالنسبة إلى «المخضرمين» من أهل المهنة، غِياب «التريبيون» حدث عام وشخصي. كانت «التريبيون» تصدر بالإنجليزية، لكن من باريس، من قلب أوروبا، وكانت مختلفة تماما عن صحف لندن التي راحت يومها تترهّل، وفي الوقت نفسه لم تكن «أميركية» النَفَس مع أنها صدرت عام 1887 من أجل أميركيي القارة القديمة.

تعرَّفنا في «التريبيون» إلى جديد لم يكن في الصحافة الفرنسية، ولا فيما يصلنا يومها من صحف بريطانيا، التي كانت جميعا في الحجم الكبير: «البرود شيت». من جديدها كان زاوية الصفحة الأخيرة التي تناوب عليها ثلاثة، الساخر الأشهر، أرت باكوالد، والباحث راسل بيكر، وديف باري الذي أعتقد أنه كان كنديا.

كثيرون من عرب الصفحات الأخيرة، حاولوا تقليد باكوالد. المحبِّر يقرّ أنه تأثر به كاتبا وتمتَّع قارئا، بخفة كتاباته. راسل بيكر تقاعد مبكرا وانصرف إلى بعض النقد الأدبي في «النيويورك ريفيو أوف بوكس». لكننا بقينا نقرأ في «التريبيون»، في صفحتي الرأي، كبار كتَّاب أميركا وكبار مراسليها.

كل ذلك كان قبل عصر الإنترنت. يجب الإشارة إلى أن «الرأي» أيضا لم نعرفه بالصيغة الحالية قبل «الهيرالد تريبيون» خارج أميركا. عندما قرر غسان تويني نقلي من القسم الخارجي في «النهار» لتأسيس أول مساحة مشابهة في الصحافة اللبنانية، تحت عنوان «قضايا النهار»، قال شارحا الفكرة: «شيء على غرار (الهيرالد تريبيون)».

كانت «النهار» تتميَّز آنذاك منذ سنوات بمقال يومي على الصفحة الأولى لميشال أبو جودة. واقتضت الصيغة الجديدة أن يكون هناك ثلاثة كتّاب يوميين: فؤاد مطر للشؤون العربية، عبد الكريم أبو النصر للشؤون الفلسطينية، والمحبِّر للشؤون الدولية. تضايق ميشال أبو جودة من كسر الاحتكار، وتقدم بمقترحات لإلغاء الصفحة، ومرة اقترح أن تنشر فيها قصائد زجلية. صمدت وظلَّت إحدى أفضل صفحات «الرأي» في الجرائد العربية، خصوصا في ظل الزميل جهاد الزين.

صدرت «الشرق الأوسط» وفي هدفها أن تكون «الهيرالد تريبيون» العرب، أو جريدتهم الدولية. وأخذت من صيغة «التريبيون» الكثير، خصوصا «الرأي» وزاوية الصفحة الأخيرة. ومثلها استضافت كتّابا كثيرين من خارج المؤسسة وشرَّعت صفحاتها لعرب المشرق والمغرب والشتات. لا يمكن أن تغير اسمها ذات يوم، مهما تغيَّر هذا الشرق الأوسط عليها، وعلينا جميعا.