كيد النساء

TT

المرأة قد تنسى الإساءة من حبيب أو قريب. ولكنها لا تنسى الغدر خصوصا غدر الزوج. ومن أطرف ما سمعت هذا الأسبوع حكاية امرأة تزوج زوجها عليها وقرر أن تعيش الزوجة الثانية في نفس البناية ذات الطابقين. فبقيت الزوجة الأولى وأولادها في الطابق الأرضي وأتت العروس فاحتلت الطابق الأعلى. ورغم أنني لا أعرف ما دار في عقل الزوجة الأولى وفي قلبها فإنني كامرأة أكاد أجزم بأنها حلمت بأن يكبر ابنها البكر ويختار عروسا يكون لها كأم ضلع كبير في اختيارها ثم تقام الأفراح والليالي الملاح وتأتي عروس الابن لتحتل الطابق العلوي مع عريسها قرة العين وحبة القلب. ولكن أن تأتي ضرة فتبدد الحلم وتستبدل به كابوسا فهذا لم يخطر للزوجة الأولى على بال.

ولكن وقع المحظور وأدركت صاحبتنا أنها مهما ذرفت من دموع الألم ومهما عاتبت حبيب العمر على غدره فلن يفيد دمع ولا ألم. فالواقع يطل عليها بوجهه القبيح يوما بعد يوم ويظل مكان الزوج شاغرا في الفراش وعلى مائدة الطعام الذي طالما تفننت في إعداده إرضاء له ولم يتبقَ من ملابسه في خزانة الثياب سوى ثوب أو ثوبين درأ للعتب كما يقال. وها هي تبيت الليل ساهرة وهي تجتر ذكريات الحب الذي كان.

والحقيقة هي أنني لا أستطيع تحديد اللحظة الزمنية التي يتحول فيها الرثاء للنفس إلى قدرة هائلة لرد الصاع صاعين. وفي لغة العامة تسمى تلك القدرة الطوفانية بـ«كيد النساء». فالمرأة تمارس الكيد حين يبلغ إحساسها بالضعف والقهر منتهاه خاصة إذا كانت جميع الأوراق في يد غيرها.

المهم أن تلك الزوجة انتظرت إلى أن تراجعت أيام العسل قليلا مع العروس فقرر الزوج أن يزور أم عياله ذات يوم. وفتحت أم العيال الصفحة الأولى من كتاب الكيد. فقد استقبلت العريس بترحاب وأعدت الطعام، وبادلته الحديث، ولم تذكر موضوع الزواج الجديد من قريب أو بعيد.

ومرت أيام، وكرر الزوج الزيارة، وتكرر السيناريو. ولكن في الزيارة الثالثة طوت أم العيال الصفحة الأولى وبدأت في صياغة الصفحة الثانية. فسألت زوجها ماذا يذكر عن سنواتهما معا فلم يتردد حين قال: كل خير. وعندها تلطفت في الكلام، وقالت إنها تتمنى له السعادة في حياته الجديدة، ولكنها تشعر بعدم أمان لأنها هي وأولادها لا يملكون من حطام الدنيا شيئا حتى البيت الذي يأويهم ولذا فهي تتمنى عليه أن ينقل إليها ملكية الطابق الذي تسكن إلى أن يكبر الأولاد فتتنازل عنه لهم. ولم يرَ الزوج مانعا من نقل ملكية البيت لرفيقة عمره. ففعل.

ومرت بضعة شهور تكرر فيها بكاء أم العيال بين يدي زوجها. وكان يعجب لبكائها خاصة بعد أن انتقلت إليها ملكية البيت. كان يرى بعينيه كم ذبلت، وكم نحفت، وكم عافت نفسها الطعام. وكان يدهش بينه وبين نفسه من حماقة النساء خاصة وهو لم يقصر في الإنفاق إلا قليلا بسبب ضغط تمارسه الزوجة الجديدة. وكلما سنحت الفرصة حين تذهب العروس لزيارة أهلها لا يتردد في زيارة أم العيال بل والمبيت عندها. وهو لا يختلف عن كل الرجال الذين يضعفون حين تبكي المرأة. فسألها ذات مرة: ماذا تريدين؟ وما الذي يمكن أن يفعله لكي يرضيها في ظل الواقع الذي يعيشان؟ فقالت له بلا تردد: طلقني. وسأبقى مع أولادي ولن يتغير شيء سوى أن أتحرر من الإحساس بالقهر.

وفكر الزوج في مشروع الطلاق فلاحت بارقة أمل وهي أن يتخلص من محاولات الزوجة الثانية للاستئثار بوقته وماله، ويتخلص أيضا من الإحساس بالذنب كلما سالت دموع الزوجة الأولى وبانت عليها أمارات الحزن.

وحصلت الزوجة الأولى على الطلاق. ولم يمضِ عام إلا وتزوجت وتفاهمت مع زوجها الجديد على أن الأفضل هو أن ينتقل إلى بيتها لكي يقاسمها الحياة حتى لا يضطر الأولاد إلى ترك البيت الذي ألفوه والمدارس التي انتظموا بها سنين.

واستيقظ الزوج الأول من نومه ذات يوم ليجد عريس أم العيال وقد احتل موقعه الجديد في البيت الذي تنازل عن ملكيته لزوجته الأولى هربا من إحساسه بالذنب حيالها. وبذلك أكملت أم العيال الصفحة الأخيرة من كتاب كيد النساء.