العبرة في التزام إيران وقف التخصيب وقبول المراقبة!

TT

بدا اللقاء الأميركي - الإيراني الذي عقد على هامش جولة المفاوضات الجديدة في جنيف حول الملف النووي، أهم بكثير من المفاوضات بين مجموعة 5+1 التي أشاعت جوا من التفاؤل الحذر، بشأن إمكان تسجيل اختراق لإنهاء الأزمة المزمنة، ووضع إيران فعلا تحت المراقبة الدولية لمنعها من تطوير التخصيب والوصول إلى تصنيع القنبلة النووية!

صحيح أن محمد جواد ظريف اصطحب معه أوجاع ظهره وطبيبه إلى جنيف في محاولة لإظهار الحرص على صدقية سياسة «المرونة البطولية»، وأنه عقد اجتماعا مفعما بالحبور مع كاثرين آشتون، وصحيح أن نائبه عباس عراقجي، عرض أمام المجتمعين على امتداد ساعة ونصف، ما وصفه المراقبون بأنه محاضرة حول نقاط القوة عنوانها «إنهاء أزمة غير ضرورية وبداية آفاق جديدة»، غير أن الاجتماع بين عراقجي ومساعدة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان حظي باهتمام أكبر ربما لأنه شكل فحصا لمسار «نافذة الفرص الدبلوماسية التي تزداد انفتاحا بين طهران وواشنطن» على ما قال جون كيري عشية المفاوضات في جنيف.

كل ما قيل عن إيجابية الخطة السرية الإيرانية التي عرضها عراقجي يبقى بلا أي معنى إذا لم توافق على شروط الغرب الأربعة، أي وقف التخصيب بنسبة 20%، وشحن مخزونها بهذه النسبة إلى الخارج أو وضعه تحت حراسة دولية، والسماح للمراقبين الدوليين بالقيام بعمليات تفتيش مفاجئة وغير منسقة معها، ووقف منشأة فوردو للإنتاج بالقرب من قم، حيث تجري معظم أنشطة التخصيب العالي، لكن عراقجي كان قد أعلن رفض وقف التخصيب وأعلن أن طهران لن تتخلى عن مخزونها، ولهذا فإن مباحثاته مع ويندي شيرمان مثلت فحصا لمدى جدية أجواء الانفتاح بين إيران والولايات المتحدة، وخصوصا أن الطرفين يتراشقان منذ الاتصال الهاتفي بين باراك أوباما وحسن روحاني بسلسلة من التصريحات والمواقف المتناقضة، حيث بدا أن العصي تختلط بالجزر إلى درجة تدفع المراقبين إلى القول: إن الرهان على احتواء إيران بعد ثلاثة عقود من العداء، يحتاج إلى مزيد من الوقت لامتحان مدى جديتها في استجابة شروط الغرب في المسألة النووية واتباع سياسة خارجية جديدة بعيدة عن الاندفاعات العدائية وخصوصا في الإقليم.

قبل أن يهبط ظريف والوفد الإيراني المفاوض في جنيف يوم الاثنين كانت طهران تستمع في صلاة الجمعة إلى آية الله أحمد خاتمي يرفع شعار «الموت لأميركا، الموت للشيطان الأكبر، والموت لأوباما الكذّاب»، وفي المقابل كان السيناتور ترينت فرانكس وزميله لندسي غراهام يدفعان إلى الكونغرس بمشروع قانون يجيز لأوباما القيام بضرب إيران إذا فشلت المفاوضات، وقد جاء في نصه «مارست إيران منذ الثمانينات نمطا متواصلا وموثّقا من النشاطات المحظورة والخادعة لامتلاك قدرة تسلح نووية، كما قامت بتسليح جماعات إرهابية وتدريبها وتمويلها وتوجيهها».

مجلة «فورين بوليسي» تنقل عن غراهام أن المشروع يعطي أوباما الضوء الأخضر للهجوم على إيران إذا فشلت المفاوضات، كما تنقل عن فرانكس قوله: إن إيران كانت تتفرج على الولايات المتحدة وهي تسمح بتجاوز الخطوط الحمر خطا تلو الآخر وظلت تضحك عليها حتى أنها الآن على حافة التمكن من أن تصبح دولة مسلحة نوويا في غضون أشهر.

وإذا كان هذا يمثل تراشقا بين الطرفين بالعصي، فإن الجزر لم يغب عن الصورة عشية المفاوضات، فمع وصول ظريف إلى جنيف سرب البيت الأبيض أن أوباما يدرس السماح لإيران بالاحتفاظ بمنشآت لتخصيب اليورانيوم على رغم أن أصواتا في الكونغرس وفي عواصم حليفة تعارض الأمر بشدة، ومن الواضح أن التسريب اعتمد على الفقرة التي وردت في خطاب أوباما أمام الأمم المتحدة عندما قال «إن من حق إيران أن تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية»، وتنقل صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أعضاء الوفد الأميركي المفاوض أن واشنطن مستعدة للتباحث بشأن ما قاله أوباما وهي تأمل في أن تنفتح «نافذة الفرص» أكثر وأن يجري في النهاية التوصل إلى ترجمة اللغة الإيجابية التي سمعناها في نيويورك إلى أفعال ملموسة.

لكن برغم الأجواء الإيجابية التي طغت على المفاوضات في جنيف تحرص أوساط مجموعة 5+1 على التزام الحذر، على قاعدة أن المفاوضات مع الإيرانيين تواجه منذ زمن بعيد العرقلة، حيث يبدو واضحا أن طهران تريد كسب الوقت لتمضي في تطوير برنامجها النووي، ولهذا يبقى التفاؤل مشوبا بالحذر لأن ما لم يأخذه الغرب من إيران في زمن التلويح بالقوة العسكرية لن يتمكن من أخذه الآن في زمن ضعف أوباما وغرق أميركا في الأزمة الاقتصادية.