للقضاء العربي أيضا فكاهاته

TT

كما ذكرت من قبل، مهمة القضاء ومهنة القضاة والمقاضاة ميدان فسيح للمفارقات والنكات والطرائف في تاريخنا كما في تاريخ الغربيين مما سلف وفصلت. وكتب الأدب العربي والفولكلور الشعبي تغص بالكثير من ذلك.

كثيرا ما يتسرب الفساد لمهنة القضاء فتعم الرشى والمحسوبيات ونحو ذلك. وقد رفض الإمام أبو حنيفة قبول عرض الخليفة لتولي مهمة قاضي القضاة خوفا من أن يمسه شيء من ذلك. قال أحد الشعراء يصف أحد القضاة:

قاض إذا انفصل الخصمان ردهما

إلى جدال بحكم غير منفصل

يبدي الزهادة في الدنيا وزخرفها

جهرا ويقبل سرا بعرة الجمل

ويصف شاعر آخر التفسخ الذي عاش فيه أحد القضاة فقال:

يا أيها الناس قفوا واسمعوا

صفات قاضينا التي تطرب

يزني، ينتشي، يرتشي

ينم، يقضي بالهوى، يكذب

وقد ورد في «نهج البلاغة» هذا القول للإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، يصف هشاشة القضاء في إحدى خطبه:

«ترد على أحدهم القضية فيحكم فيها برأيه، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلافه، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم، فيصوب آراءهم جميعا!».

تعاظم هذا الفساد في العهد العثماني عندما أصبح القضاة موظفين أتراكا يبعثهم السلطان للولايات لأمد معين فلا يعنيهم من أمرهم في القضاء بين قوم لا يعرفونهم أساسا غير أن يجمعوا أكبر قدر من الثروة قبل عودتهم. وردت حكايات وطرائف كثيرة عن ذلك.

قيل إن تاجرا يهوديا تخاصم مع تاجر مسلم وبصق في وجهه. يا ويلاه! قال له. يهودي وتتفل بوجه مسلم؟ يا ويلك. شكاه للقاضي، فارتعد اليهودي من الأمر. راح يستشير الحاخام في ورطته. أنبه هذا وقال له: اسمع ساسون، أنت مجنون؟ تعتدي على تاجر مسلم وتتفل بوجهه، ما عندك عقل؟! ثم نصحه بالحل.

حضر إلى المحكمة وأدلى التاجر المسلم بدعواه. التفت القاضي إلى التاجر اليهودي: «وإيش تقول؟ هذا صحيح؟»، قال: «نعم يا حضرة القاضي، صحيح، بس أنا عندي فرمان موقع من السلطان يعطيني الحق في أن أبصق في وجه أي شخص».

«عجايب! كيف هذا الفرمان؟ قدمه للمحكمة حتى نراه».

فقدم المدعى عليه إضبارة للقاضي، فتحها فرأى فيها ورقة نقدية بقيمة عشر ليرات ذهب، دققها مليا ثم وضع الإضبارة في الدرج والتفت للمدعي: «إي نعم يا رجل. آسف. هذا اليهودي عنده فرمان موقع من السلطان يعطيه الحق في أن يتفل بوجهك وبوجهي. دعواك مردودة. امشِ!».