هزيمة كروية أم سياسية؟

TT

الرياضة لها علاقة بالسياسة دوليا ومحليا. هُزم المنتخب القومي المصري لكرة القدم أمام غانا بستة أهداف مقابل هدف واحد. نكسة، هزيمة ثقيلة، فضيحة، سمِها ما شئت المهم أن أبناء الفراعنة عادوا من «كوماسي» يعتصرهم الحزن، والمرارة، وخرجوا من باب خلفي في «قرية البضائع» في مطار القاهرة حتى لا يلاقوا الجماهير الملتاعة والغاضبة التي كانت تحلم بوصول فريقها إلى المونديال في البرازيل.

الهزيمة كروية، وكل من شاهد المباراة يعرف كيف أن الفريق المصري كان أداؤه هزيلا أمام فريق غانا الأكثر لياقة، وحرفية، وكفاءة. ابتلع المصريون الهزيمة، وبعد يومين اتجهوا إلى تسييس المشهد الكروي الحزين. الصحف تتحدث عن فتاة كانت توزع شعار «رابعة» - الأصفر اللون الذي يضم أربعة أصابع في اليد - على جماهير غانا، وتشجع الفريق المنافس على حساب فريقها القومي، ونقلت تعليقات لعدد من الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معهم يعبرون عن سعادتهم بهزيمة المنتخب القومي، والشماتة الصريحة في اللاعبين المصريين. في مذكرة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) رفعتها لجنة الدفاع عن الحريات في نقابة المحامين أشارت إلى أن السماح للجماهير الغانية برفع شعار «رابعة» كان سببا في إثارة مشاعر اللاعبين، وأثر على تركيزهم.

التعبير عن مشاعر الفرحة في هزيمة المنتخب المصري بالتأكيد مستفز، وتسييس لهزيمة كروية، وتعبير عن تحدٍ وجداني لقطاعات عريضة من الشعب المصري تعشق كرة القدم. ومن غير المعقول أن تذهب مواقع إلكترونية تابعة للإخوان المسلمين إلى تصوير المشهد على أنه تأييد من الشعب الغاني للإخوان المسلمين، ودعم شرعية الرئيس المعزول محمد مرسي. كلام لا معنى له.

بالتأكيد لا توجد علاقة ارتباطية بين هزيمة فريق كرة قدم ظهر واضحا تردي مستواه الفني، وتراجع مستوى لاعبيه وبين رفع شعار «رابعة» الإخواني، ولا سيما أن اللاعب الذي أحرز هدف مصر الوحيد (محمد أبو تريكة) تحيط به دائما الاتهامات بأنه يتحدر من أسرة لها انتماء إخواني صريح. لو أخفق اللاعب صاحب اللحية الظاهرة - لا قدر الله - في تسديد ضربة الجزاء لخرجت علينا الصحف تقول «المؤامرة الإخوانية».

هذه أحاديث لا محل لها من الإعراب، والإفراط فيها على مواقع التواصل الاجتماعي يضفي مزيدا من الكراهية والغضب والاستقطاب على حوارات المصريين الإلكترونية.

ينبغي أن نتخلص من «الهذيان السياسي» وندخل في مرحلة التفكير العقلاني الذي يربط النتائج بالأسباب. الواضح أن الفريق القومي المصري أقل كفاءة من نظيره الغاني، اللاعبون أقل في المستوى، ظهروا غير قادرين على المنافسة، وكان من الممكن أن تزيد الأهداف الستة التي دخلت الشباك المصرية إلى تسعة وربما أكثر، لولا العناية الإلهية. وينبغي أن نسأل السؤال الصحيح: لماذا استطاع المنتخب المصري أن يحقق بطولات في ظل مدربه المصري حسن شحاتة في حين تراجع أداؤه في ظل المدرب الأميركي بوب برادلي؟

المنتخب المصري لم يُهزم لأن المشجعين الغانيين رفعوا شعار «رابعة»، كما لم يُهزم انتقاما لعزل الرئيس محمد مرسي، ولكن هُزم لأنه ضعيف، أقل في المستوى الفني من منافسه الغاني. من هنا تكون البداية.

* باحث وكاتب - مدير مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية