«التفاوت الصحي».. في تلقي الرعاية الطبية

TT

«التفاوت الصحي» health disparity مصطلح طبي يقصد به الاختلافات الصحية بين مجموعات من الناس، سواء في الإصابة بأحد الأمراض، أو تلقي معالجتها، أو نوعية الاستجابة للمعالجة، وغيرها من الجوانب الصحية. ووفق تعريف المؤسسة القومية للسرطان بالولايات المتحدة، يشمل التفاوت الصحي الأقليات العرقية والإثنية، وسكان المناطق الريفية، والنساء والأطفال والمسنين، والأشخاص ذوي الإعاقة.

وجود هذا التفاوت إحدى الحقائق المقبولة عالميا، خاصة في جوانب بعض الأمراض التي تصيب النساء بشكل أكبر من الرجال، أو سكان المناطق الريفية دون المدن، وأصحاب أحد الأعراق أو الأصول الإثنية دون سواهم. ولكن تظل مسألة تقبل التفاوت الصحي في جانب تلقي المعالجة الطبية إحدى المعضلات التي يسعى كثير من المجتمعات لردم هوتها.

وجانب الاختلاف في الأعراق أحد الجوانب التي تسعى المجتمعات المكونة من خليط عرقي متنوع إلى التعامل معها في الرعاية الصحية عبر الخطط والبرامج طويلة المدى. ويمثل برنامج «ناس أصحاء 2020» Healthy People 2020 أحد البرامج الفيدرالية التي تقوم بها وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، التي تهدف إلى ردم الهوة التي تتسبب في التفاوت في تلقي الرعاية الصحية ونتائجها بين المجموعات المختلفة في المجتمع الأميركي. وفي موقعه الإلكتروني الحكومي، يفيد البرنامج أن إحصاءات عام 2008 للحالة الصحية في المجتمع الأميركي البالغ تعداده آنذاك 208 ملايين نسمة، أشارت إلى أن 100 مليون شخص عرفوا أنفسهم بأنهم ينتمون إلى أحد الأعراق أو الأصول الإثنية بوصفه أقلية، وأن 154 مليونا منهم كانوا نساء، وأن 36 مليون شخص مصاب بإعاقة لا يعيشون في دور الرعاية التمريضية، وأن 70 مليونا يعيشون في مناطق ريفية، وأن 4% ممن هم بين عمر 18 و44 سنة عرفوا أنفسهم بأنهم شواذ جنسيا. وأضاف الموقع أن برنامج «ناس أصحاء 2000» هدف خلال العقدين الماضيين إلى خفض التفاوت الصحي بين الأميركيين، بينما هدف برنامج «ناس أصحاء 2010» إلى إزالة، وليس خفض، ذلك التفاوت، وأن برنامج «ناس أصحاء 2020» هدف إلى تحقيق المساواة الصحية والحد من التفاوت الصحي وتحسين صحة عموم الناس في المجموعات المختلفة للمجتمع الأميركي.

وضمن عدد سبتمبر (أيلول) الماضي من «المجلة الأميركية للقلب» American Heart Journal نشر باحثون من جامعة بتسبرغ الأميركية نتائج دراستهم حول الفجوة العرقية racial gap في ضبط ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم بتلقي مرضى القلب أو السكري أحد أنواع أدوية «ستاتين» الخافضة للكولسترول. ولاحظوا في نتائجهم أن الأشخاص السود، على حد وصف الباحثين، في مجموعة الأميركيين الكبار في السن، لا يزالون أقل احتمالا لأن يكونوا يتناولون علاج خفض الكولسترول بالمقارنة مع أمثالهم من البيض، وأنهم أقل احتمالا لأن تكون نسبة الكولسترول لديهم منضبطة بخلاف البيض.

كما أفاد الباحثون أنه بسبب احتمال عدم تناول كبار السن السود علاج خفض الكولسترول لتلفته المادية العالية، فإن «برنامج ميدكير الجزء دي» Medicare Part D program، الذي بدأ عام 2006 لتيسير توفير الدواء بأسعار منخفضة، كان من المتوقع أن ينجح في ردم الهوة العرقية لجعل جميع مرضى القلب الأميركيين يتناولون علاج خفض الكولسترول، ويتحقق لدى جميعهم خفض نسبة الكولسترول في الدم وفق ما تهدف إليه الإرشادات الطبية في هذا الشأن. ولأن البرنامج لم يفلح في ذلك، علق البروفسور جوزيف هانلون، الباحث الرئيس في الدراسة، بالقول: «يبدو أن ثمة شيئا غير المال له شأن بالأمر، والفجوة العرقية في تناول الأدوية مرتبطة في جانب منها فقط بالتمويل المادي. وهناك نوعية جودة الرعاية الطبية، والحالة الصحية للمريض، وما يفضله المريض.. وعوامل أخرى تلعب أدوارا مختلفة في الأمر».

وعلى الرغم من ملاحظة الباحثين أن نسبة متلقي دواء خفض الكولسترول ارتفعت من 33% إلى 48% فيما قبل وفيما بعد 2006 لدى كبار السن السود من مرضى القلب، فإنها ارتفعت من 49% إلى 65% لدى أمثالهم البيض. وهذا التحسن، مع بقاء الفجوة، يفيد بجدوى البرنامج بنتائج متوسطة، لكنه بتركيزه على تغطية التكلفة المادية للدواء، أو خفضها بشكل كبير، يظل غير كاف لردم الهوة تلك، وصحيح أن هناك نسبة من المرضى قد لا يكون من المناسب صحيا لهم تناول هذه النوعية من الأدوية، إلا أن البرنامج أيضا لم يفلح في الوصول إلى تلقي مرضى القلب تلك النوعية من الأدوية لدى السود والبيض. وهنا تأتي عوامل التثقيف الصحي، التي يحتاجها جميع المرضى من أي عرق ولون وجنس، بجدوى تناول الدواء، وبنوعية وجودة المتابعة الطبية وحرصها على تذليل الصعوبات التي تحول دون التزام المريض بتناول الدواء، وبمقارنة نتائج التحاليل ومناقشة تلك النتائج مع المريض.. وغيرها من أساليب رفع مستوى مشاركة المريض في العملية العلاجية، وإشعاره بأنه شريك مهم في إتمام نجاح عملية المعالجة لأي مرض يصيبه.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]