هل تحقق دبلوماسية روحاني ـ ظريف اختراقا؟

TT

هناك إصرار أميركي - إسرائيلي على التقليل من أهمية الدور الممكن أن تلعبه أي حكومة إيرانية في المجال النووي الممسك به بقوة من قبل مكتب المرشد الإيراني. ومع التوافق في الرأي بينهما، يبقى الموقف الإسرائيلي محفزا على استخدام القوة، أو على الأقل معارضا لأي توجه لتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران يراد به إغراء مركز القرار للقبول بالمطالب الدولية. ويبدو هامش الاختلاف في تقدير كل من الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية حيال الفترة المتوقعة لتصنيع سلاح نووي إيراني محدودا، فكلاهما يدور في فلك عام واحد أو أكثر قليلا. وحاول نتنياهو التصدي الخطابي القوي للوصف الغربي المرن لصورة تودد الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني.

الحديث عن التباين في وجهات النظر الرسمية الإيرانية ليس افتراضيا أو مفتعلا، بل هو حقيقة جسدتها المواقف المخالفة لهاشمي رفسنجاني ومهدي كروبي ومير حسين موسوي، وهم أبرز شخصيات حقبة الثورة بعد المرشد الأعلى، ولا يزال كروبي وموسوي خاضعين لإقامة جبرية أقرب إلى الاعتقال، لدورهما الكبير في قيادة ما سمي بـ«الثورة الخضراء» عام 2009. والملاحظ أن سياسة المرشد تستوعب وجود المخالفين في الرأي «ضمن النهج العام»، ما داموا بقوا بعيدين عن تهديد أمن النظام. لذلك تتمتع مراكز القوة بنطاق غير مقيد من البراغماتية والتعامل مع توجهات متضاربة.

ومع أن الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، هو الشخص الأقوى الممسك بأهم الملفات الخارجية بلا منازع، وليس رئيس الجمهورية ومن دونه من كبار المسؤولين التنفيذيين، فإن هامش المناورة الدبلوماسية للرئيس والخارجية غير مكبل بالقيود والخوف، رغم الهجمات الحادة التي يطلقها مخولون يتمتعون بمواقع معنوية قريبة إلى المرشد وأمنية نافذة، تجاه ما يفسر بالمواقف الدبلوماسية المرنة، وهذا نهج معتاد وليس تبادل أدوار كما يظن البعض، فالنظام ليس حزبا، بل هو اتجاه عام يقترب المنتمون إليه في نقاط ويختلفون في حالات كثيرة.

وزير الخارجية محمد جواد ظريف عمل مترجما فوريا مع الوفد الإيراني خلال جولات المفاوضات الرئيسة التي نظمت برعاية الأمين العام للأمم المتحدة بعد وقف حرب السنوات الثماني، في قصر الأمم المتحدة بجنيف. وكان الوفد الإيراني برئاسة وزير الخارجية علي أكبر ولايتي متحفظا تجاه أي انفتاح على الفريق العراقي، ولم يحدث مرة واحدة أن تبادلنا التحية والسلام طيلة الجولات المتكررة عام 1988. ولم يحدث أي لقاء جانبي، على عكس ما حدث على هامش اجتماعات الأمم المتحدة من اتصالات أميركية إيرانية على أعلى المستويات الرئاسية والوزارية، والتي لم تغب عن انتقادات المرشد العلنية بلغة دبلوماسية.

إسرائيل تمتلك القدرة التكنولوجية والقتالية الفعالة لشن غارات محدودة أو توجيه ضربات محددة للبرامج النووية الإيرانية، إلا أنها ليست قادرة على إدامة زخم الهجمات لضمان التدمير المفترض، وليست قادرة على منع رد فعل إيراني مؤذ صاروخيا، لا سيما مع الشكوك في قدرة الدفاع الصاروخي على تأمين الحماية الكافية. كما أن الوضع الأميركي العام لم يعد متناغما مع قرارات عسكرية حاسمة في ظل أوضاع اقتصادية وقيادية أضعف كثيرا مما كانت عليه في مراحل القرارات الصعبة سابقا، وهذا يدفع إلى تشخيص الحراك الدبلوماسي بأنه أميركي الهوى بامتياز، يقابله عدم اكتراث إيراني حتى لو كان تظاهريا.

التمسك الإيراني ببرامج النظام قطع شوطا كبيرا، ولا يوجد ما يشير إلى أن العقوبات الاقتصادية قد أوصلت القيادة الإيرانية إلى انعطافات مهمة، لذلك من الصعب الحديث عن اختراقات كبيرة وشيكة ومرجحة. فالرئيس روحاني ليس أكثر دهاء وديناميكية من الرئيس الأسبق خاتمي، ولن يصل إلى مستوى القبول الخليجي الذي حظي به رفسنجاني، ولا يحمل روح التفاعل غير المسيطر عليه كما كان الرئيس أحمدي نجاد. ومهما بلغت خبرة ظريف الدبلوماسية الطويلة فلن يكون أقرب إلى المرشد من المستشار السياسي الأقدم علي أكبر ولايتي.

أوراق المناورة الإيرانية متعددة وقوية خارجيا، وثبت أن أميركا مستعدة لاتخاذ قراراتها في ضوء ظروفها، من دون التأثر كثيرا برأي الحلفاء والأصدقاء، وقصة التلويح العسكري ببقاء «كل الخيارات مفتوحة» لم تعد مقنعة ومؤثرة. فسياسة أميركا تجاه سوريا وإيران في ملف العراق 2003 - 2008 جعلتها تدفع ثمنا باهظا. وهكذا غاب اللون الأحمر عن إشارات خطوط التداخل الخارجي، وكل شيء سيكون بطيئا ومغلفا وهادئا.