وفي المسرح

TT

في المسرح، يبدأ عملنا بالتمثيل وينتهي به. الممثل هو الإمبراطور ونحن جميعا حاشيته، وبكلمة نحن أقصد المخرج وبقية عناصر العرض المسرحي المعروفة. والمسرح العظيم لا يكون عظيما لقوة أفكاره أو أصالتها، بل لثراء مساحة التمثيل التي يقدمها للممثل والتي جاء المتفرج يبحث عنها وهو ما نسميه الفرجة. ولو أنك تعمل بالتأليف المسرحي أو الإخراج، أو تحلم بذلك، لصرخت في وجهي الآن: وماذا عن النص المسرحي وهو الأساس في لعبة المسرح، هل تضع أهميته في مرتبة أدنى أو تالية للتمثيل؟ بغير النص المسرحي الجيد، ماذا يستطيع الممثل أن يفعل؟

وأقول لك: اسمع يا بني.. لا يوجد ما يسمى مرتبة أعلى ومرتبة أدنى على خشبة المسرح، نحن لا نعمل في السياسة، أهمية النص المسرحي هو أنه يقدم خطة مبدعة للتمثيل، وهو ما تسمونه في السياسة هذه الأيام بخارطة الطريق، ما تسمعه وما تراه على خشبة المسرح هو نفسه النص المسرحي وقد دبت فيه الحياة. وبذلك يكون عدم احترام النص المسرحي والخروج عنه هو ذاته الخروج على فن التمثيل والسقوط في هوة الضحالة المعادية للفن. أي إن الممثل في اللحظة التي يخرج فيها عن النص المسرحي، يكون قد خرج على شرف مهنته وهي في الأصل إنتاج عنصر الفرجة للجالسين في قاعة المسرح.

سنتكلم الآن عن ذلك الشخص الذي يجلس في القاعة ونسميه المتفرج ونتساءل من أين جاءت هذه التسمية؟ الاسم في الغرب هو (Audience) وهو مشتق من السماع (أوديو).

وفي الترجمات العربية القديمة، كنا نستخدم كلمتي النظارة والمشاهدين، فمن أين جاءت كلمة متفرج وفرجة؟ الواقع أن هذه التسمية التي وصل إليها اللاوعي الجمعي بغير توجيه من أحد هي أفضل تعريف لهذا الجالس في قاعة المسرح. لقد جاء للفرجة، جاء طلبا للفرج. المسرح سوف يطلق سراحه، سوف يفرج عنه، فن التمثيل الجميل سيحرر روحه ويجعلها قادرة على التحليق بعيدا عن قيود الأرض. هذا هو بالضبط ما يجب أن نشعر به ونحن نشاهد عرضا مسرحيا.. آسف لاستخدامي كلمة «نشاهد» أقصد ونحن نتفرج ، أي ونحن في حالة إفراج روحي عنا لا يقل أهمية عن عملية الإفراج التي تجري للمساجين والعياذ بالله.

المسرح إذن طبيب معالج، وسلطة عادلة تعمل على الإفراج عن أرواح الناس المعتقلة بداخلهم ، وطاقة حب هائلة منطلقة في اتجاه الحياة.. هذه هي الفرجة.. وهذا هو المسرح.