رفض خير من عضوية!

TT

من الطبيعي أن يحتفل السعوديون بانتخاب بلادهم عضوا في مجلس الأمن بالأمم المتحدة لأول مرة في تاريخها، ووصف الحدث بأنه مهم واستثنائي في مسيرة الدبلوماسية اللافتة.

ولكن الموقف «التاريخي» حقا والذي سيسجل لها هو رفضها للانضمام للمجلس في ظل وجود خلل عظيم في إدارة المسائل السياسية وازدواجية المواقف والمبادئ حيال القضايا الكبرى.

فالسعودية التي جعلت الثورة السورية أحد أركان سياستها الخارجية لفترة ليست بالقصيرة، تشكو من وجود «دعم» للقتل المقنن من قبل القوى الرئيسة في مجلس الأمن (روسيا والصين بدعمهما الصريح لنظام بشار الأسد الذي يواصل قتل شعبه بلا رحمة ولا هوادة لفترة ليست بسيطة من الزمن، ومن جهة أخرى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي لا تقدم الدعم العسكري ولا السياسي الكامل والمطلوب «بحسم» المعركة مع الأسد)، وبالتالي كل الأطراف بطريقتها تقوم بإطالة عمر النظام الدموي المجرم، وبالتالي السماح له بالاستمرار في قتل شعبه وتدمير بلاده بأسوأ الوسائل وأكثرها وحشية بشكل لم تعرفه أي بلاد من قبل.. لم يدع وسيلة من وسائل القتل لم يستخدمها.

والسعودية ترى أن مجلس الأمن مقصر في القيام بكل واجباته ومسؤولياته التي ائتمنه عليها المجتمع الدولي لصون السلم وحماية الشعوب، وهو بموقفه من الثورة السورية يقف على العكس والنقيض تماما من مواقف مجلس الأمن بحق مآسي البوسنة والهرسك وكوسوفو وليبيا وتيمور الشرقية، وكلها كانت مواقف واضحة وصريحة مال المجتمع الدولي فيها بقوة لحماية الشعوب من القتل والعنف والتطهير العرقي بشتى أنواعه ولمختلف الأسباب. تغير كل ذلك في حال الثورة السورية وتخاذل المجتمع الدولي تماما لنصرة هذا الشعب المظلوم لتتحول الثورة السورية إلى إحدى مآسي العصر الحديث، وأيضا إلى إحدى الكوارث الإنسانية الكبرى بالنظر إلى حجم اللاجئين والقتلى والمشردين والجرحى والمصابين والآثار النفسية المترتبة جراء كل ذلك، ناهيك بالدمار الكامل للبنى التحتية لمعظم المدن السورية الرئيسة بشكل مجنون وموتور.

ولكل ذلك، كان الموقف المبادئي والأخلاقي الذي أخذته السعودية برفضها قبول عضوية مجلس الأمن بسبب الموقف الأخلاقي تجاه الشعب السوري ومخاطبة الازدواجية والتناقض في أعمال مجلس الأمن بدلا من الانغماس بـ«الفرحة» التي جاءت بعد الانتخاب، والانشغال بإضافة ذلك كإنجاز يسجل في السيرة الذاتية الطويلة للخارجية السعودية.

الخارجية السعودية تكشر عن أنيابها، فهي قررت اتخاذ خطوات كبرى لمساندة قرار الشارع والشعب المصري في ثورته الثانية وانحازت بقوة له، ودعمت ذلك بكل الأدوات المتاحة أمامها، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وإعلامية، ونفس الشيء قامت بفعله بحق الثورة السورية، وبذات الأدوات وبشكل قوي جدا لا يمكن إغفاله أبدا.

الدبلوماسية السعودية التي عرف عنها الأسلوب الهادئ والعمل من خلف الكواليس بدلا من المواجهة والمجابهة، عاودت إثبات ذلك في خطاب خادم الحرمين الشريفين بالحج، والذي أكد فيه أن السعودية لن تسمح بالتدخلات الخارجية بتحديد مصائر الشعوب العربية والإسلامية ولا إهانة الشعوب لتواصل الخط «الكبير» الذي أقرته لتتصدى وحدها للإرهاب والبطش والعنف بشتى أشكاله وأنواعه، وموقفها الأخير برفض الانضمام لمجلس الأمن كان «مفاجأة» للجميع، فلم يكن أقرب العارفين ببواطن صناعة القرارات الدبلوماسية السعودية يتوقع رد فعل كهذا، وخصوصا أن المجموعة السعودية التي عملت في مندوبية الأمم المتحدة كانت تشتغل بشكل محموم لإنجاز تحقيق عدد كاف من الأصوات للانتخاب، وبعد تحقيق النتائج التي جاءت مؤيدة لدخول المملكة في عضوية مجلس الأمن جاء القرار بالرفض مع توضيح واضح ومقتضب يبين فيها سبب الرفض، ليترك المحللين والساسة في محاولات للفهم والتفسير.

الرفض السعودي موقف تاريخي حقيقي سيحسب لها، وهو أهم بكثير من عضوية تنتهي بعد سنتين لا يكون لها قيمة في ظل مجلس يحمي الطغاة بازدواجية في المعايير لا تقبل النقاش في التعاطي مع المسائل. وليست سوريا هي المشكلة الوحيدة هنا، فهناك الملف النووي الإيراني والإسرائيلي وترسانة إسرائيل الكيماوية وأرتال من قرارات الأمم المتحدة التي لم تحترمها إسرائيل.

لكل هذا كان يجب على السعودية رفض موقع لن يضيف إليها أي شيء، ولكن رفضه بهذا الشكل زاد من مكانتها في العالم.