من السرائر إلى المقابر

TT

سواء فاضت روح الطفلة اليمنية روان محمد ذات الثماني سنوات إلى بارئها في ليلة دخلتها كما أكدت مصادر حقوقية في اليمن، أم أنها ما زالت على قيد الحياة في سرير زوجها الأربعيني كما صرحت بذلك الحكومة اليمنية، فإن هذا الزواج الذي وقع مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الحالي لا يمكن وصفه إلا بالجريمة المنكرة، وهذه العلاقة لا يمكن أن نسميها إلا تغريرا اشتركت فيه عدة أطراف من بينها الزوج الأربعيني وأسرة الطفلة.

قصة روان ليست القصة الأولى التي تحدث في اليمن لطفلة زوجت قسرا من رجل يكبرها بأضعاف عمرها، وتتعرض بسببه للضرر النفسي والجسدي المفضي إلى الموت. ففي عام 2010، توفيت الطفلة إلهام العشي عن ثلاثة عشر عاما بسبب ما حدث لها من أذى بعد زواجها من رجل، نقلها من سرير الزوجية إلى مغسلة الموتى بعد زواجها بأربعة أيام.

وفي العام نفسه، توفيت الطفلة اليمنية فوزية حمودي ذات الاثني عشر ربيعا أثناء عملية الإنجاب، وذلك بسبب عدم اكتمال أجهزة الإنجاب لديها. وقبلها بعام، هربت الطفلة اليمنية نجود ذات الأعوام الثمانية من سرير زوجها الذي كان يكرهها على الفراش كل ليلة وطلبت الطلاق وانتصر لها القضاء اليمني، ولكن بعد أن خلف لديها ضررا نفسيا بالغا وجرحا لا يندمل.

زواج القاصرات ليس شأنا يمنيا ولا مشكلة خاصة بهذا القطر العربي العزيز، بل هي موجودة في أكثر من قطر عربي وإسلامي، وما زالت تثير جدلا بين الباحثين عن صياغة قوانين تحفظ للأطفال طفولتهم وبراءتهم ومن يتمسكون به ويعدونه جائزا شرعا.

في جميع الحالات الماضية التي ذكرناها لتضرر الأطفال من زواجاتهم المبكرة، أجمع الأطباء على ضرورة أن تكون الفتاة مهيأة نفسيا وجسديا لمباشرة الحياة الزوجية، وإلا فإن ذلك سيترك أثرا نفسيا عميقا وضررا جسديا قد يفضي إلى الموت. وترى جماعات حقوق الإنسان ضرورة وضع سن أدنى للزواج، بحيث يجري التعامل بحزم مع الأسر التي تزوج بناتها فيما يشبه الصفقات، والتعامل بحزم أكبر مع الرجال الذين لا يتورعون عن مجامعة الأطفال في أقسى صور الوحشية غير آبهين بصراخهن وخوفهن ودموعهن. أما أحد الشيوخ الذي يعد من كبار علماء الشرع في اليمن ورئيس جامعة بها، فقد هدد في عام 2010 بتسيير مليونية في صنعاء للاحتجاج على سعي البرلمان اليمني لاستصدار قانون يحدد السن الأدنى للزواج، معتبرا أن منع الرجل الخمسيني من الزواج ببنت الثامنة تحريم لما أحله الله. ورأى أن منع زواج القاصرات هو انسياق وراء المنظمات الدولية المعنية بالمرأة والطفولة التي تهدف إلى سوق المجتمعات الإسلامية المحافظة إلى الانحلال عبر تأخير زواج الفتيات وإفساح المجال لهن لإقامة علاقات خارج إطار الزواج. وهو ليس عالم الشرع الوحيد الذي يبيح زواج القاصرات من دون ضوابط.

وزارة العدل السعودية كانت عقلانية حين أدركت أن زواج القاصرات أمر يحدده المختصون الاجتماعيون والنفسيون والأطباء. فقد طرحت في شهر مارس (آذار) الماضي على هيئة كبار العلماء مشروعا يلزم ولي الأمر الراغب في تزويج ابنته دون السادسة عشرة عاما إحضار تقرير طبي من لجنة بها مختصون في النساء والولادة ومختصون نفسيون واجتماعيون لإثبات أهليتها النفسية والجسدية للزواج، بالإضافة إلى اشتراط موافقة البنت وأمها على هذا الزواج.

قضية زواج القاصرات، أو ما صار يعرف اليوم بـ«عرائس الموت»، تطرح مسألتين في غاية الأهمية. أولاهما كيفية التصرف حينما تتعارض المسألة الفقهية مع الحقيقة الطبية. فزواج القاصرات الذي أثبت وقوع ضرر نفسي وبدني كبير لدى الأطفال بشهادة الأطباء والمتخصصين الاجتماعيين والنفسيين ما زال من علماء الشرع من يسوغه دون ضوابط حتى لو وقع الضرر على الزوجة الطفلة. الأمر ذاته ينطبق على مسألة ختان الإناث، حين أجمع الأطباء على أن هذا النوع من العمليات مضر للفتيات وقد يفضي إلى الموت، ولكن اختلف علماء الشرع في هذه المسألة بين من حث عليها ومن حض على الابتعاد عنها وتحريمها.

وثانيهما أن مقصد حفظ النفس، وهو من المقاصد الشرعية الكبرى، يتم إغفاله من بعض علماء الشرع انسياقا وراء العادات القبلية والموروثات المجتمعية التي مع مرور الزمان أخذت صبغة شرعية. فلا مسوغ يسوغ تعريض الطفلة للموت أو الضرر النفسي والبدني بحجة الزواج أو التحصين أو الاقتداء بالأولين.

* كاتب بحريني