ملالا.. وأخريات

TT

لا يستسيغ كثيرون النجومية والاهتمام الإعلامي العالمي الذي يحيط بالباكستانية ملالا يوسفزاي.

لهذا الموقف أسباب مختلفة، بعضها لا يستحق سوى الإهمال والبعض الآخر يغري للنقاش. طبعا هناك ما يعجز حياله العقل مثل همجية حركة طالبان وتهديدها بقتل ملالا مرة أخرى. وهناك الغاضبون من تسليط الضوء على ملالا بحجة أن هناك شؤونا وحكايات أخرى أكثر أهمية. آخرون اعتبروا أن معاناة السوريات واليمنيات والمصريات وكثيرات غيرهن أفظع وأمر ولا تلقى اهتماما، وآخرون حانقون إزاء ما يعتبرونه عقدة نقص عربية إسلاميه تجاه الغرب.

لكن، هناك أيضا من أصابتهم الخيبة تجاه ما رأوه تسليعا لتجربة هذه الفتاة الشجاعة. فالرصاصة التي أطلقها مسلحو طالبان أصابت ملالا لكنها لم تقتلها وهي تحولت اليوم إلى نجمة يجري عن حق الاحتفاء بها ويجري أيضا تسويقها وربما الاستفادة منها لأهداف تتجاوز بكثير الشعار الذي كادت تموت ملالا لأجله وهو حق الفتيات في التعليم.

فكرت في هذا الأمر كثيرا بالأمس وأنا أشاهد الفيلم الوثائقي الرائع «Girl Rising».

الفيلم يوثق حكاية تسع فتيات من دول مختلفة في العالم وكيف واجهن صعابا في سبيل التعليم. الفيلم المشغول بشكل احترافي جمالي عالي الحساسية يقارب الصعاب التي واجهتها الفتيات التسع وهي الفقر، الزواج المبكر والرق والاعتداء الجنسي والتمييز. في حكايات الفتيات التسع الكثير من الأمل على الرغم من قتامة واقعهن. نرى في الفيلم أيضا أن ملالا ليست وحدها تكافح فهناك أخريات كثيرات يتحدين واقع أن هناك اليوم 66 مليون فتاة في العالم محرومات من التعليم وأن ثلثي الأميين في العالم هم من النساء.

هذا الفيلم مسني بشكل عميق وهذا ما لمسته لدى معظم من شاهده فهو الآن يجوب العالم ضمن حركة ناشئة اسمها Girl Rising تهدف إلى دعم تعليم الفتيات. والفتيات التي شاهدنا حكاياتهن تحمل كل منهن على طريقتها إصرار ملالا ورفضها الفطري لأن تسلب حقوقها.

نعم تحولت ملالا إلى أيقونة وقد يكون ذلك قد بدأ رد فعل عفويا ثم بات أكثر احترافا وربما صناعة. وفي الفيلم أيضا صناعة ومحاولة لجعل فتيات أخريات أيقونات.

إنهن فتيات لم يحققن معجزات لكنهن يحملن الكثير من الأحلام ويحاولن تحقيقها. ففي هذا الواقع المحبط جدا والقاتم نحن نحتاج إلى من يبعث فينا الأمل وملالا بعثت فينا هذا الأمل. والفتيات اللواتي شاهدتهن في الفيلم بعثن في نفسي الحزن والأمل والرغبة في فعل شيء.

أليس هذا هو الهدف من تسليطنا الضوء على حكايات من هذا النوع!

هل أخذت ملالا الكثير من الاهتمام, ماذا لو لم تأخذ, ماذا كان حدث؟! الأرجح أن تكون إما ماتت أو ربما تعالجت في باكستان وربما نزحت من منزلها مخافة أن تقتل ثانية من دون أن يسمع بها أحد.

لا نحتاج إلى مزيد من الضحايا الصامتة فهناك الكثيرات منهن، أما اللواتي يحلمن بالتغيير فنحن معنيون بأن نسلط الضوء عليهن وبشكل احترافي وأخلاقي أيضا.

ملالا وأخريات يبعثن فينا الأمل والرغبة في أن يكون غدنا أفضل من يومنا القاتم.