صعود تيد كروز.. الديماغوجي المثقف!

TT

فتحت المؤسسات الحكومية الأميركية الفيدرالية أبوابها بعد أكثر من أسبوعين من الإغلاق الذي تسبب في خسارة الاقتصاد الأميركي أكثر من 24 بليون دولار. خسر الجمهوريون في معركتهم الخاسرة، منذ البداية، في صراعهم مع الرئيس أوباما فيما يخص رفض رفع سقف الدين العام. ولكن حتى الرئيس أوباما والديمقراطيين طالهم كثير من الانتقادات والأضرار.

هناك شخص واحد فائز من كل هذه الفوضى والخسائر المادية، إنه تيد كروز، السيناتور الشاب عن ولاية تكساس، الذي استطاع من خلال هذه الأحداث العاصفة أن يخلق لنفسه اسما وقاعدة جماهيرية بين الجمهوريين الباحثين عن مرشحين صاعدين ينافسون في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2016.

يوصف تيد كروز (ولد عام 1970) هذه الأيام بالخاسر الممرور والرجل الذي أضر بسمعة الحزب الجمهوري المتضررة أصلا، كما يوصف بالمتشدد وجو مكارثي الجديد الذي يعادي خصومه ليس فقط بسبب الآيديولوجيا، ولكن حتى بسبب التكتيكات المرحلية. ولكن لا يبدو أن هذه الانتقادات القادمة حتى من داخل كبار الحزب الجمهوري - من بينهم جون ماكين الذي يقال إنه يشعر بكراهية شديدة بسبب أسلوب السناتور الشاب المتغطرس - تشغل بال كروز أو المناصرين له الذين تزداد أعدادهم يوما بعد آخر. كروز نفسه وجه انتقادات حادة للجمهوريين قائلا بأنه لا يثق بهم بنفس المستوى الذي لا يثق فيه بالديمقراطيين متهمها إياهم بتوريط الشعب الأميركي بديون لا يستطيعون سدادها في المستقبل. إنه يظهر نفسه متمسكا ومدافعا عن القيم المحافظة ولا يريد فقط الذهاب لواشنطن لتكوين أصدقاء جدد كما يردد. قال مرة بسخرية: «من المثير لي أن أجد بعض الشخصيات في واشنطن تصاب بالحيرة عندما ترى شخصا يقوم بالأشياء التي قال إنه سيقوم به قبل انتخابه».

ولكن هل كروز ـ صاحب الجذور الكوبية ـ مجرد سياسي شاب أهوج طموح مثل كثير من الساسة الذين صعدوا في الأعوام الأخيرة وهوى نجمهم سريعا؟

كثير من المعلقين يرون فيه شخصية مختلفة وفريدة من نوعها. متنمر ولكن أنيق. ديماغوجي ولكنه مثقف. متعصب ولكنه عذب اللسان. خريج جامعة هارفارد ولكن لديه قدرة كبيرة على الخطابة الشعبية وتوحيد الجماهير بأسلوب عاطفي جعل البعض يطلق عليه «باراك أوباما الجمهوريين». قال كروز عندما أتى للكونغرس إنه «لم يأت ليجلس في الخلف ويستمع كطالب في سنته الأولى الجامعية. بل ليدافع بقوة عن المبادئ التي أسهمت في انتخابه». لم يكمل كروز سنة واحدة فقط منذ انتخابه وأثبت أن حديثه ليست مجرد ثرثرات فارغة، بل هاجم بضراوة مشروع الرئيس أوباما للتأمين الصحي وتمكن من أن يثير حوله كثيرا من الشكوك بشكل لم يفعله أي جمهوري آخر. كما أنه هاجم بحدة الجمهوريين الذين يرونه في المقابل رجلا متفاخرا يضع طموحه السياسي فوق كل شيء.

يبدو كروز مختلفا عن الشخصيات القادمة من «حزب الشاي» التي تبدو متعصبة وغاضبة أكثر من اللازم، لكنه قادر، بسبب جاذبيته الشخصية وأسلوبه وثقافته أن يجعل حتى المختلفين يشعرون بنوع من الانجذاب نحوه. رغم كل اللوم الذي يتلقاه كروز إلا أنه متحدث بارع لوسائل الإعلام، ويبدو أنه يدرك تماما الكلمات التي تخرج من بين شفتيه. إن وسائل الإعلام الأميركية حتى الأكثر ليبرالية التي هاجمته تعترف ببراعته الخطابية وشخصيته الكارزمية.

ظهور كروز السريع تدعمه كثير من المسببات ليست فقط من بينها ثقافته وقدراته الشخصية. أبرز هذه المسببات هي الموجة الصاعدة بين الجمهوريين الساعين لإحداث تحول جذري في تركيبة الحزب الجمهوري الذي فشل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بسبب عدم قدرة مرشحيه - ماكين ورومني - على هزيمة الرئيس باراك أوباما الذي لم يواجه صعوبات جدية في تخطيهم. كروز، كما يقول أحد المعلقين الجمهوريين، يقوم بحرب أهلية داخل الحزب الجمهوري نفسه لاستبداله الكبار العاجزين بأسماء جديدة ولامعة قادرة على المنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة.

كان من الواضح تململ القاعدة الانتخابية الجمهورية بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة من عدم قدرة على مشاهير الحزب الجمهوري على مواجهة المرشحين الديمقراطيين الأكثر حيوية وقوة. رومني في الانتخابات الأخيرة لم ينجح لأنه لم يكن جمهوريا بما فيه الكفاية، كما يقول نقاده من الجمهوريين. لقد افتقد الحيوية والقدرة على إظهار وجه مشع جديد للحزب الجمهوري. لهذا السبب فإن صعود كروز السريع أتى بشكل أساسي لأنه عادى الوجوه القديمة في الحزب الجمهوري التي فقدت تماما طاقتها على منافسة الحزب الديمقراطي البارع على اختراع أسماء شابة ودفعها دون تردد إلى السباق الانتخابي، كما حدث مع الرئيس باراك أوباما نفسه عام 2008.

كثير من الجماعات والمنظمات السياسية الجمهورية الداعمة له تدرك أنه يعكس الروح الجديدة التي يجب أن تحل داخل الحزب الجمهوري إذا ما أراد الإبقاء على حظوظه في المنافسة. من جهة أخرى، فإن أكثر وسائل الإعلام المحافظة شهرة مثل قناة «فوكس نيوز» وأكثر المعلقين المحافظين تأثيرا أمثال راش لمبو وشون هانتي يقفون في صف كروز وترى فيه القدرة على مواجهة الأسماء الديمقراطية القوية مثل هيلاري كلينتون ورام إيمانويل حاكم ولاية شيكاغو التي ستنافس بقوة في الانتخابات الرئاسية القادمة.

لكن من جانب آخر، يقول بعض المراقبين إن عداء كروز للأسماء الجمهورية الشهيرة يجب أن لا يطول، بل من المهم أن يتوقف بعد مدة لأنه سيحتاج بعض الأصدقاء وكذلك الدعم والمساندة الماديين.. لكن من جهة أخرى، يقول الناشطون في حزب الشاي المقربون من تيد كروز نفسه إن السناتور الشاب يدرك أن لديه كثيرا ليكسبه إذا ما استمر في حربه الشعواء والبقاء قريبا مع القاعدة الجماهيرية التي أسهمت في وصله للكنونغرس. كل هذا ستكشف عنه تحركات كروز خلال الشهور القادمة، وهو الذي قال مرة: «أتيت واشنطن، لأبقى!»