عن مسؤوليتي عن لاجئي إيطاليا

TT

لست في مطار روما سوى لساعتين، بين رحلتين، بين مدينتين. لكنها روما، وموظفة الطيران ترى جوازي البريطاني فتسألني عن عنواني في لندن. كم تتمنى السفر إلى هناك؟ وموظفة «الميدل إيست» تلازمني في قاعة الحقائب: إذا أضعت حقيبتك هنا، فلن «تجدها بعد اليوم». عندما أنتهي من معاملات الترانزيت وأخرج إلى الصالون لأستعيد أنفاسي، يخاطبني جاري كأنه يعرفني من مائة عام: نيويورك؟ أجيب، لا، مدريد. حسنا، هو إلى نيويورك. ثم «ما الذي يأخذ الناس إلى مدريد؟ إنها مدينة خارج الخريطة». أعتذر عن مدريد، وأقول له، نحن العرب نؤمن بالقسمة والنصيب، ناس إلى نيويورك، ناس إلى مدريد.

أي غباء دفعني إلى الإباحة عن الهوية. «آه، عربي إذن. من سوريا»؟ قلت، قسمة. قال: «لكنك تعرف طبعا ماذا يحدث لإيطاليا»؟ قلت، خير، ماذا يحدث لإيطاليا؟ قال: «ألوف اللاجئين من سوريا، على الأرصفة. في محطات القطار، في المراكز، هذه هي قسمتنا نحن، أفواج من الألبان وأفواج من المغاربة والآن من التوانسة، والآن قوارب السوريين».

قلت: أعتذر عنهم جميعا. قال: «لا يكفي الاعتذار، يجب أن تفعلوا شيئا. هذه بلدانكم». قلت، ألبانيا ليست بينها، مع الأسف. نحن أرسل لنا الألبان محمد علي. قسمة، كما ترى. حظ. قال: «لماذا لا تقتنعون بقسمتكم، إذن؟ لماذا تطمروننا بالفقراء واللاجئين، كلما تغير عندكم حكم اضطررنا هنا إلى إعلان حالة الطوارئ. لقد زحف الألبان علينا بعد سقوط الشيوعية. ثلاثون ألفا في مدينة باري وحدها. هل تعرف ماذا يعني وجود ثلاثين ألف غريب في مدينة واحدة، لا يعرفون لغتها وشوارعها وعاداتها، وجميعا يريدون أن يأكلوا؟ لقد بدا الألبان مثل هياكل عظمية. جوعهم أنور خوجا وأطعمهم خطبا وملصقات».

قلت، أعتذر، أكرر اعتذاري، إنها القسمة.. لقد أرسل الألبان إلينا محمد علي وأرسلوا إلى الهند مهندس تاج محل والأم تيريزا، التي يظن الجميع أنها إيطالية.

قال: «إنك تحاول أن تغير الحديث». قلت، يا ليت، فأنت تعاملني كأنني «فرانكشتاين» وأنا مجرد مسافر ترانزيت من بيروت إلى مدريد. ضحك السنيور جيوفاني فجأة «أعجبته حكاية فرانكشتاين». قال: «لم يكن في نهاية المطاف مرعبا إلى تلك الدرجة. كان نباتيا طالما يردد أنه يعيش على الجوز والتوت». ضحكت أيضا، كأنما المبارزة قد انتهت بالتعادل، وقلت إن الطب الحالي يوصي بالجوز والتوت (بأنواعه) فهل الفكرة مأخوذة عن فرانكشتاين؟ «ربما». عدت أقول: «كنا نترك التوت للعصافير والآن نستورده من التشيلي». قال ضاحكا: و«هل سوف تفعل شيئا في موضوع اللاجئين القادمين من دياركم»؟ قلت ربما. فقد نرزق ذات يوم سياسيين نباتيين، يحبون طعم الجوز والتوت. قميء طعم التعذيب.