ماذا يريد عرب الغد؟

TT

لا أعلم إلى أي مدى تتوافر لدى جهات الاختصاص في العالم العربي معلومات يجري تحديثها أولا بأول عن تفكير أجيال الغد، على أكثر من مستوى. مثلا: أطياف التوجهات السياسية والاجتماعية، أغلب الرغبات الذاتية والمجتمعية، أهم التوقعات محليا وإقليميا وربما دوليا، ثم - بالنتيجة - أبرز طموحات بُناة مستقبل بلدانهم في المجالات كافة.

أعني بالمعلومات تلك المستندة إلى أرقام وعينات، إذ هي مستقاة من دراسات حقلية، ومستخلصة عبر بحوث ميدانية، بل ليس ثمة خلل أن تشتمل استنتاجات أجهزة التنصت والتجسس على أسرار الناس عبر الـ«إيميل» والـ«آيفون»، وما ماثلهما، ما دامت شرا لا بد منه - كما أثبت المشاغبون الجدد من أمثال الأميركي إدوارد سنودن - شرط أن تكون مساهمة جواسيس الدول على مواطنيهم بهدف إغناء معرفة أهل الاختصاص بأنماط تفكير الشبان والشابات، لا بقصد الملاحقة، أو التشهير.

بالتأكيد دراسات كثيرة أجريت، إنما هل يجري تحديثها بين فترة وأخرى، ربما سنويا، أو كل ثلاث أو خمس سنوات؟ وهل تحصل مراجعة لما تتضمنه استمارات الاستبيان أو الاستطلاعات من نقاط؟ هل تشمل الأسئلة كل، أو قل أهم، ما في السوق الكونية، لا المحلية فقط، من أدوات تواصل وأشكال معرفة؟

على سبيل المثال، لا أدري إن كانت البحوث الميدانية تأخذ في الاعتبار ما يجري في كوكب «فيس بوك» وفضاء «تويتر»، وما يماثلهما من عوالم أجيال الغد، أم لا. هل يهتم دارسو توجهات الأجيال الشابة – مثلا - بتحليل أنماط السلوك الاجتماعي المحتمل مع حلول العقد الخامس من القرن الميلادي الـ21، وكيف سيكون شكل المسافة الفاصلة بين مراهقي ذلك الزمن الآتي، ومراهقي زمننا هذا، الذين يبدو معظمهم في معارك لا تهدأ مع جيلنا، أم أن همّ المتابعين، وبالطبع المراقبين، ينحصر في تتبع الشأن السياسي ومراقبته، وما يدور حوله من مشاجرات؟

أعرف أنه ما من موقع إنترنتي يخلو من نافذة تستطلع رأي الجمهور. لكن، ما الموضوع الأغلب المسيطر على أسئلة معظم مواقع الإنترنت؟ السياسة، بالطبع. وحتى داخل القطاع السياسي يندر أن تلقى ذلك التنوع الذي يُعنى بجوانب تخص الحياة اليومية للشباب، فما دامت الأزمة في سوريا – مثلا - تتصدر نشرات الأخبار، كذلك هي موضوع أغلب استطلاعات الرأي، ويمكن ملاحظة أن ذلك الكسل في التنويع يحدث حتى حين يحصل تطور سياسي داخل مجتمع ما يفوق في الأهمية، بالنسبة لأهل البلد، أي شأن خارجي. هل حاولت مواقع الإنترنت العربية استطلاع توجهات جمهورها الشاب في ما يخص العلاقات الأسرية أو الوظيفية، وقياس مدى اهتمام الشبان والشابات بمضامين المناهج أو بالعلاقة بين هيئات التدريس في المعاهد والجامعات وبين الطلاب والطالبات؟

وضمن السياق ذاته، هل جربت مراكز بحوث عربية دراسة مدى تناغم العلاقة بين شباب طبقات المجتمع؟ بمعنى، هل يمكن القول إن اتساع رقعة الفقر بين الشباب هنا، وتمدد الثراء بينهم هناك، يؤثران بالفعل على الأمن والسلم الاجتماعيين، أم أن ذلك مجرد تخيّل؟

أذكر أنني أشرفت أوائل 1990 على استطلاع لعدد «الشرق الأوسط» الأسبوعي (أحد ابتكارات عثمان العمير خلال ترؤسه تحرير هذه الجريدة) عن تفكير جيل 2000 وطموحاته. وضعنا أسئلة تناولت جوانب عدة وجهناها لشريحة عمرية تحت العشرين سنة في عدد من الدول العربية، بافتراض أنها شريحة من سيتولون مواقع قيادية في بلدانهم بعد عشر سنوات من إجراء الاستطلاع. كانت تلك تجربة مثيرة للاهتمام من جوانب مختلفة، وأذكر أن الإجابات فاجأتنا آنذاك بإيجابيات عدة تتعلق بالطموحات، كما صدمتنا بسلبيات مفجعة تخص مستويات الثقافة العامة.

إلى جانب دورها في تشكيل الرأي العام عبر التغطية الإخبارية وصفحات الرأي، تحمّل الصحف في دول الغرب عموما نفسها نصيبا من مسؤولية المشاركة العملية في تشكيل مجتمعاتها بأشكال مختلفة، منها استطلاعات قياس الرأي العام بما يعطي فكرة موضوعية عن مزاج المجتمع، وليس في السياسة فقط، بل أيضا في ما يخص البيئة، والصحة، والتعليم، إلى غير ذلك، وبالتأكيد تحاول مؤسسات صحافية عربية بذل جهد على هذا الصعيد، لكنه ليس أساسيا - ربما أكون مخطئا - في سياق اهتمامات أي جريدة في العالم العربي.

كيف يمكن وضع أساس علمي لمستقبل يأتي بالأفضل، من دون قياس متواصل لتوجهات أجيال العقد المقبل؟ حقا، إنْ لم يعد من المستحيل تخيل شكل المستقبل، فإن فهم كيف يفكر شباب اليوم، وماذا يريد، هو أول وأهم خطوة على طريق تصور واقع الغد.

[email protected]