السعودية تدق الأجراس

TT

الخطوة التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية برفض الانضمام إلى عضوية مجلس الأمن تأتي تعبيرا عن موقف عربي رسمي وشعبي واضح وصريح لا لبس فيه عن استيائها من موقف مجلس الأمن، وتقاعس الجمعية العامة للأمم المتحدة عن القيام بدورهما تجاه قضية الشعب السوري المنكوب، وجاءت هذه الخطوة الجريئة رسالة قوية للمجتمع الدولي، وخاصة لأميركا وروسيا، اللتين أبرمتا اتفاقا اختزل قضية الشعب السوري في قضية وجود ترسانة الأسلحة الكيماوية عند النظام السوري، وأنه لا بد من تدميرها، هل يعقل أن تختزل قضية تصفية شعب وتشريده بأكمله في اتفاق مثل هذا؟ أقل ما يمكن وصفه بأنه كما قال الشاعر العربي: «ومن لم يمت بالسيف مات بغيره»، وجعل من قضية الشعب السوري قضية مساعدات إنسانية غذائية وطبية لشعب مشرد يذبح كل يوم ويباد أطفاله ونساؤه وشيوخه بدم بارد على مرأى ومسمع من العالم من دون ذنب، أي حل هذا الذي جعل قضية الشعب السوري البحث عن دول لاستقبال المشردين لشعب هو ضحية لنظام وحشي لم يفرق بين مواطن مسالم ومقاتل مسلح وبين طفل وكبير وعمل على تهجيره بأكمله عن أرضه ودياره ويظل العالم يتفرج على كل ذلك؟! لقد فضحت قضية الشعب السوري الجميع من دون استثناء، بدءا من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وانتهاء بجامعة الدول العربية وهشاشة النظام العالمي الجديد الذي نادت به أميركا طوال السنوات الماضية.

أي منطق سياسي هذا الذي يساوي بين الجلاد والضحية ويعطي الفرصة لسفاح بقتل شعبه بأسلحة أخرى غير الأسلحة الكيماوية.

لقد كشف الاتفاق الذي أبرم بين أميركا وروسيا عندما تقاطعت وتلاقت المصالح الأميركية - الروسية على ذبح الشعب السوري وجرى فيه استثناء الدول الأخرى في مجلس الأمن، أهذا هو الحل الذي تريده أميركا وروسيا؟ لقد كشف هذا الاتفاق عن أن ما يهم أميركا هو مصير الأسلحة الكيماوية التي أصبحت بمثابة البعبع لأميركا ومخافتها من أن تقع في يد جماعات متطرفة كـ«القاعدة». هذا هو مربط الفرس عند أميركا تماما كما كان هدفها عندما غزت العراق، أما قضية الشعب السوري المشرد فهي ليست في الأولوية لديها. إن أميركا تعتقد أنها بهذا الموقف تحقق أهدافها ولا تعي أنها بهذه السياسة من جانب آخر تعمل على تشجيع التطرف بمختلف أشكاله ضدها في المنطقة، وأنه أصبح هناك أكثر من «قاعدة» بدءا من جبهة النصرة إلى جيش الشام والعراق، والبقية تأتي وعليها أن تتحمل النتائج.

هل تريد أميركا أن تصبح سوريا عراقا آخر في المنطقة؟ وذلك بعد الفشل الذريع الذي ترتب على الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والذي أدى إلى أن يكون العراق مشهدا لأعمال عنف وقتل، وما زال لم يعرفه الشعب العراقي من قبل وحكومة لا تعرف أين موقعها ودورها وتغرس الطائفية في العراق وتسير به إلى مستقبل مجهول، أكان يمكن أن يحدث كل ذلك لولا الغزو الأميركي للعراق عام 2003؟

على أميركا أن تعرف أنها بهذه السياسة البراغماتية التي تتجاهل فيها أمن الشعوب العربية تخسر حلفاء أقوياء في المنطقة، وأن دولتين لهما ثقلهما السياسي والاقتصادي والجغرافي في المنطقة مثل السعودية ومصر هما نقطتا التوازن والارتكاز لحفظ الأمن في منطقة استراتيجية وحيوية لمصالحها، ولذا يجب أن تأخذ بموقفهما وأي بديل لن يكون في صالحها، وعليه فإن مؤتمر «جنيف 2» لا نجاح له من دون أن يأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة.

لقد دقت السعودية بهذا الموقف التاريخي الأجراس للمجتمع الدولي، وإذا لم تستوعب الدول الكبرى مضمون هذه الرسالة وبقيت القضية السورية من دون حل عادل للشعب السوري، فإن الأمم المتحدة سوف تضيف إلى أرشيفها الذي عفّى عليه الزمن قضية أخرى مع القضية الفلسطينية، وهي القضية السورية.

لقد فقدت الأمم المتحدة مصداقيتها في العالم منذ زمن طويل، هذا إذا كان لها رصيد متبقًّى من المصداقية منذ تشريد الشعب الفلسطيني عن أرضه عامي 48 و1967، ولم يبقَ لنا إلا الأخضر الإبراهيمي وهو يلوّح بالحل السياسي أينما حل! هذا كلام مللنا سماعه، فعلى الإبراهيمي أن يدرك أنه لا حل سياسيا من دون تنحي الأسد وتشكيل حكومية انتقالية من قبل الائتلاف السوري الذي اعترف العالم به ممثلا للشعب السوري، وإلا فمصير «جنيف 2» سيكون كمصير سابقه «جنيف 1».

إن المعطيات الحالية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن جولة الإبراهيمي ومهمته القادمة والمحضرة لـ«جنيف 2» فاشلة بامتياز، وأنه غير مرحب به في المنطقة إذا لم تكن أجندته تحمل في أول بنودها استئصال النظام السوري الحالي وإعطاء الحرية للشعب السوري في تقرير مصيره.

إن مؤتمر «جنيف 2» يحتاج لعصا سحرية وذلك بسبب الخلاف الواسع بين النظام السوري والمعارضة. لا ندري كيف سيكون هذا الحل إذا كان بشار يرفض الرحيل، ويشترط نزع سلاح المعارضين ويصفهم بالإرهابيين. ويضيف: «اول عامل يؤمن النجاح لمؤتمر جنيف هو إيقاف الأعمال (الإرهابية) وإيقاف دخول (الإرهابيين) من خارج سوريا، وإيقاف إمدادهم بالسلاح والأموال. فإن لم نقم بذلك فإن أي عمل سياسي سيكون وهميا». أما المجلس الوطني السوري، وهو أهم عضو في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، فيرفض المشاركة في «جنيف 2»، لكن رئيس الائتلاف أحمد الجربا وضع شروطه لحضور هذا المؤتمر: «قلنا بوضوح إننا لا نرفض جنيف لمجرد الرفض. لكننا نقبل به وفق معطيات تضمن نجاحه، وتمنع النظام المارق من العمل على عامل الوقت».

وعليه نقول إن أي حل يمكن أن يكون مطروحا على طاولة «جنيف 2»، والأيام حبلى بالأحداث، وإن غدا لناظره لقريب!