مصر والأحزاب الدينية

TT

حراك الثورات العربية حرّك بقوة موضوع الجدل حول نظامية الأحزاب «الدينية» كوصف للأحزاب التي أسسها منتمون لحركات إسلامية سياسية، أو متعاطفون معها، أو منشقون عنها، وذلك بعد أن قضم الإسلاميون القطعة السياسية الأكبر في الجولات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية في دول الثورات العربية، واللافت أن هذا الوصف «الديني» ترفضه الحركات الإسلامية والعلمانية، على حد سواء، فالإسلاميون يرفضونه، لأنهم يرونه وصفا للدولة «الثيوقراطية» الفاشلة، أراد به خصومهم جرهم إلى حقل التجربة الدينية السيئة ذائعة الصيت، التي حكمت فيها الكنيسة في العصور الوسطى الأوروبية، فعذبت باسم الله، وقتلت باسمه. وأما العلمانيون، فيمقتون «الأحزاب الدينية»، لأنهم يرون فيها محاولة لاحتكار تمثيل الدين الإسلامي، واستخدام شعاراته ونصوصه المقدسة في التوظيف السياسي، وإشهاره سيفا مصلتا على رقاب المخالفين في الدين والمذهب والسياسة.

ومع أن الحالة الثورية في دول الثورات العربية قد جاءت لصالح الأحزاب السياسية الإسلامية، فجرى دمجها في العملية السياسية في كل من تونس ومصر، بعد حرمان لعقود طويلة، فإن زلزال سقوط تجربة حكم «الإخوان» في مصر، بغض النظر عن عوامل ومسببات السقوط، عرّض تجربة دمج الأحزاب السياسية الإسلامية لانتكاسة جاءت كهزات ارتدادية لهذا الزلزال المدوي، ولهذا يثور جدل شديد بين المصريين هذه الأيام حول سن قانون حظر الأحزاب الدينية في مناخ سياسي متوتر.

وبسبب هذا المناخ المضطرب، فقد اضطرب توصيف «الحزب الديني» في مصر، فقيادات هذا الحزب، الموسوم بالديني، في السجون، أو تحت الملاحقة الأمنية، فكانت المحصلة المنطقية تحريرا مشوها للمعنى الحقيقي «للحزب الديني»، الذي حصروا تعريفه في الحزب الذي تقدم لتأسيسه من لهم انتماءات دينية، وانخرطوا في نشاط حركي لجماعات ذات مرجعية دينية، وعُرف عنهم إحالة كل مشروع سياسي واقتصادي وقانوني وتعليمي إلى مصادر دينية يؤمنون بها، ولا يتطلب الأمر ذكاء حتى يخلص أي أحد إلى أن هذا التعريف رسم بالمسطرة ليلائم الحركات الإسلامية وأذرعتها الحزبية، بغية إقصائها ثم دفعها خارج الحلبة السياسية.

والصحيح أن مصطلح «الأحزاب الدينية» لا يُطلق عليها لأنها تحمل اسما دينيا، وإلا كان من لازمه تقويض التجربة الديمقراطية الغربية التي لا يسمح قانونها بأحزاب دينية، ولكن يسمح بالأحزاب ذات المرجعيات الدينية، كالحزب الديمقراطي المسيحي في عدد من الدول الغربية، أو الأحزاب ذات الأسماء الدينية في الهند، وهي ليست دينية، مثل الأحزاب الهندوسية والبوذية، وهنا يبرز السؤال المنطقي: كأن في الأمر تناقضا؛ إذ كيف تتسمى هذه الأحزاب بأسماء دينية وهي ليست دينية؟ والجواب عن هذا السؤال يقودنا إلى البحث عن معايير «الأحزاب الدينية» التي إذا توفرت كلها أو بعضها صح أن يطلق على الحزب وصف «ديني». من هذه المعايير أن ينص نظام الحزب على اقتصار العضوية على أتباع دين معين، أو لا يسمح قانون الحزب بأن يشغل مناصب الحزب العليا أفراد من أتباع ديانة أخرى، وغيرهما من المعايير التي غفل أو تغافل عنها بعض المتخصصين المصريين، الذين يصرون على إضفاء وصف «الأحزاب الدينية» على الأحزاب السياسية التابعة لجماعات إسلامية سياسية، وهي ليست كذلك، بناء على المعايير الدولية، حتى تكون مبررا لطردهم من المنافسة السياسية بتاتا.

[email protected]