الضيف اللطيف

TT

عندما فتحت عينيّ لم أجد أحدا من الأطباء، لقد انصرفوا بعد أن أجروا العملية ولم ينتظر معي أحد منهم حتى أفيق من البنج. طرق خفيف على الباب، قلت بصوت هامس: ادخل.. ليس من معارفي وليس من الأطباء أو الممرضين، وإن كانت هيئته تبعث على الارتياح وله ابتسامة جميلة تكاد تضيء الغرفة، جلس وقال: لقد انتظرت في الخارج إلى أن انتهى الأطباء من عملهم.. كيف حالك الآن؟

قلت: حتى الآن أنا بخير.. مال عليّ بجسده فشعرت برعدة تسري في جسدي، الآن فقط عرفته.. إنه ملك الموت، لم أكن أعرف أنه بهذه الوسامة، قلت: أهلا وسهلا.. أخيرا نلتقي.. أهلا يا سيد عزرائيل.. هي النهاية إذن، مع أن الأطباء أكدوا لي أن العملية ناجحة.

قال: يا عزيزي، عملنا ليس مرتبطا بنجاح العمليات أو فشلها.. نحن مستقلون.. وأريد أن أطمئنك ليست هذه زيارة عمل، لم تحن ساعتك بعد.. هناك كلام كثير في بعض الدوائر العليا كانت تفكر في استدعائك لترتاح عندنا بعيدا عن الحياة الشاقة التي تحياها غير أنه صدر قرار بأن تظل مكانك فقد تكون مفيدا هنا أكثر.

قلت: أشكركم.. كما أشكرك على وقتك أيضا.. غير أني أجدها فرصة طيبة للحديث عنك أنت يا سيد عزرائيل.. لديّ أسئلة لن يقدر على الإجابة عنها سواك.. منذ ثلاثين عاما تقريبا قرأت كتابا لعالم النفس الشهير سيغموند فرويد وهو «ما وراء مبدأ اللذة» قال فيه إن الموت هو الأصل في الحياة، وإن الحياة لا تنتهي فقط بالموت، بل إن الموت هو الهدف منها، لا أنا صدقت هذا الكلام ولا أحد من أصدقائي صدقه.. هل هذا الكلام صحيح؟

قال عزرائيل: للأسف هو صحيح بالنسبة للعقل الخام المسطح الذي لم يتعلم أي شيء، والنفس التي خاصمت كل قيم الحياة، غير أن صاحب هذا العقل لن يصارحك بذلك لأنه جبان، بل سيزعم أشياء عظيمة أو مقدسة. ماذا في تصورك ستكون نهاية جماعة حزب الله؟ وماذا يبحثون عنه؟ في حقيقة الأمر هم يبحثون عني.. أريدك أن تلاحظ نوعية وطريقة القتال في مدن سوريا وقراها، كل طرف يسعده قتل الطرف الآخر، وحتى الآن لا يبدو واضحا لنا، بعد خروج الأسد، ماذا سيكون الحال عليه؟.. قطعا سيواصلون قتل بعضهم البعض لأن ذلك بالفعل هو ما يريدونه.. سوريا التي عجز أشرار التاريخ عن تدميرها من قبل، ستتحول إلى ساحات خراب لن تنعق فيها البوم لأنها أيضا ستموت بعد أن لا تجد ما تأكله.. قال ذلك وترك الغرفة في هدوء.