إدوارد سنودن ليس خائنا

TT

بماذا نصف إدوارد سنودن؟ أعرف ما نعته به ذات مرة. فقد كتبت أنه لم يكن واشيا حقيقيا ولكنه شخصية «محبة للظهور بشكل سخيف» و«نرجسية» أيضا. وبمرور الوقت ثبت لي أن آرائي خاطئة خطأ جليا. أيا كانت شخصية سنودن، فهو شخص متواضع إلى حد بعيد، وحاول جاهدا المساعدة في تقليل الضرر الناجم عن نشر المعلومات التي أفصح عنها إلى أقل حد ممكن. وبالنسبة لوصفه بـ«الخائن»، فليس لديه النية والتهديد اللازمان لارتكاب الخيانة.

لكن كثيرين وصفوه بالخائن كهاري ريد: «أعتقد أن سنودن خائن». وجون بينر قائلا: «إنه خائن». ووصفه النائب بيتر كينغ «هذا الفتى خائن ومارق». ولم يدن ديك تشيني سنودن وينعته بأنه «خائن» فحسب، لكنه أشار أيضا إلى أن سنودن ربما يكون قد نقل هذه المعلومات إلى الصينيين. يعد هذا الغمز والتعريض، كما كان الحال مع أسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين، دليلا واضحا على أن إصرار تشيني خاطئ إلى أبعد الحدود.

لكن الاتهامات السابقة بحق سنودن تبدو في الوقت الراهن متسرعة وغير ذات صلة. إذا كان سنودن خائنا، فمن هو الطرف الذي خانه ولمن يدين بولائه الآن؟ يبدو أن سنودن لم يخن أحدا. وحسبما صرح به مصدر جيد الاطلاع، ففي الحقيقة أن سنودن لم يبع حتى قصة حياته ورفض العروض النقدية المقدمة له مقابل إجراء مقابلات. وتأتي إقامة سنودن في روسيا أمرا اضطراريا بالنسبة له، فلم يكن أمامه مكان آخر للذهاب إليه. ومن يصرون على ضرورة عودته إلى وطنه والزج به في السجن لا يتمتعون بمنطق سليم، فيصر سنودن على أن الروس والصينيين لم يضعوا أيديهم على مواده السرية، وفي الحقيقة أن ذلك الأمر يتلاءم مع نظام التشفير الخاص به. فقد كان حريصا بشأن الإفصاح عن معلوماته، حيث يوزعها بتفاصيل قليلة لمنظمات إخبارية جديرة بالثقة، ولا يدلي بالمعلومات من دون اتخاذ قرار بشأنها، من خلال اتباع أسلوب تسريبات ويكيليكس.

كانت كتاباتي السابقة بشأن سنودن تقوم على الاعتقاد بأن ما كشف عنه لم يكن أمرا جديدا بالفعل. ألم يكن أعضاء الكونغرس على دراية بجميع هذه الأمور وحصلوا على تسريبات للكثير منها؟ بلى، إن هذه المسألة حقيقية بشكل كبير. بيد أنني صعقت بسبب مدى انحراف البرامج التي تقوم على جمع هذه المعلومات، فهناك موجة متدفقة من القصص الإخبارية التي تقودني إلى الاستنتاج بأن كل ما ورد بهذا العمود كان معروفا لوكالة الأمن القومي قبل أن يعرفه المحررون. وقد كتبت أيضا أن سنودن قد كشف النقاب قائلا «لم يكذب أحد بشأن البرامج المتنوعة». وقد سُئل مدير الاستخبارات الوطنية في إحدى جلسات مجلس الشيوخ في شهر مارس ما إذا كانت «ملايين أو مئات الملايين من ملفات الأشخاص التي نملكها زائفة تماما أم لا»، وكان رده أنها كانت زائفة. وفي الواقع، إن إجابته عن هذا السؤال هي التي كانت «زائفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى».

يعد سنودن واحدا من هؤلاء الأشخاص الذين يتلاءم معهم استخدام رابط «واو العطف» لوصف شخصيتهم. وعادة ما أفضل استخدام الرابط الأكثر تأكيدا «لكن»، لكي يتسنى لي أن أقول إن «سنودن فعل أمرا جيدا بعض الشيء ولكنه اقترف ضررا أعظم». وتتمثل المشكلة في عدم تأكدي من ذلك الأمر. إنني متأكد على الرغم من ذلك، من أن سنودن واش جدير بالثقة عن الأفعال غير القانونية، وتمنى أن يخبر «كل من هو موجود في منطقة ميدلسكس» بشأن ما تفعله وكالاتنا الاستخباراتية.

بيد أنني حائر بشأن كيفية التعامل مع سنودن. صحيح أنه خرق القانون. وكان حذرا في كشف معلوماته، ولكن لا يستطيع معرفة كافة العواقب، وعلى أي حال، لا يمكن للحكومة أن تترك لأي شخص أن يقرر من تلقاء ما يجب الكشف عنه من معلومات. وهذا صحيح أيضا. إنني أعتقد بضرورة عقاب سنودن، لا أن يوصم بالخيانة. فربما يكون غير مخلص لأميركا تقنيا لكنه ليس خائنا للقيم الأميركية.

* خدمة «واشنطن بوست»