.. ومن قفشات المحلفين

TT

من تفرعات النظام الديمقراطي اعتماد النظام القضائي الغربي على هيئة المحلفين jury، وهم فريق من عقلاء المنطقة يكلفون بالحضور للمحكمة لفترة معينة يحضرون خلالها الدعاوى المختلفة، يطلعون عليها ويستمعون لمرافعاتها وتعليق القاضي عليها ثم يختلون لوحدهم، ينتخبون رئيسا لهم ويتشاورون، ربما لعدة أيام، قبل الوصول إلى قرار في الموضوع. من المجرم ومن البريء في القضية... إلخ، ولا يسمحون لأحد أن يتصل بهم خلال مداولاتهم. يعودون لقاعة المحكمة فيدلي رئيسهم بالقرار. وعلى القاضي أن يلتزم به ويصدر حكمه بناء عليه.

سبق لي أن كلفت بهذه المهمة ولكنني أعفيت منها بعد أيام، عندما قرر القاضي تسريح فريق المحلفين الذي انتميت إليه بسبب اطلاعنا على خلفية المتهم، بأنه سبق له أن اقترف جريمة مشابهة. فمن شروط هذه المهمة ألا يكون المحلفون قد عرفوا أي شيء عن خلفية المتهم ولا يطلعون على ما تقوله وسائل الإعلام عنه أو عن القضية وأن يقسموا بألا يدلوا بأي شيء عما جرى من مشاورات بينهم.

كثيرا ما تستغرق بعض القضايا أياما أو شهورا كثيرة وتتعقد الأمور فيها بشكل يصعب تذكره أو استيعابه، ولا سيما في القضايا المالية المتشابكة. يتعرض المحلفون للملل والنعاس وأحيانا يخلد بعضهم للنوم. وردت عن ذلك كثير من الطرائف والحكايات، وهو ما حصل لإحدى المحلفات. تملكتها نوبة من النوم دون أن يلاحظ القاضي ذلك. تعلق الموضوع بقضية اغتصاب، فوصفت المجني عليها لقاءها بالجاني في إحدى الحفلات العامة. فراح يطاردها حتى همس في أذنها ببعض الكلمات البذيئة الفاجرة. سألها القاضي ماذا قال لك بالضبط؟ احمر وجهها خجلا وقالت: آسفة لا أستطيع أن أكرر ما قاله لي.. أخجل منه. قال لها القاضي: هذا شيء مهم على المحكمة أن تطلع عليه. ثم أمر بإعطائها ورقة وقلم وقال لها: اكتبي ما قاله لك على هذه القصاصة. فعلت ذلك وسلمت القصاصة له.. قرأها ثم أمر كاتب الضبط بتسليمها للمحلفين ليطلعوا عليها.

تناولها رئيس المحلفين وقرأها ثم مررها لبقية المحلفين واحدا واحدا حتى وصلت دور المحلفة النائمة وكانت امرأة متقدمة في السن ولم تتابع ما جرى من كلام. لكزها برفق رئيس المحلفين ليوقظها بأناة ثم وضع القصاصة في يدها لتطلع عليها. قرأتها وإذا بها كانت تقول: «لقد جننت بجمالك. دعينا نلتقي بعد الخروج من هذا المكان لنقضي وقتا سويا الليلة». قرأت العبارة ونظرت في وجه رئيس المحلفين ثم دستها في جيبها.

التفت القاضي إليها وقال: «سيدتي مرري هذه الورقة ليقرأها بقية المحلفين».

قالت: «كلا يا حضرة القاضي. إنها مسألة شخصية تتعلق بي فقط. آسفة! لا أريد الآخرين أن يطلعوا عليها».