الفئة القليلة

TT

يعرف التاريخ أحداثا كثيرة تمكنت فيها فئات قليلة من هزيمة فئات أخرى أكبر عددا وعدة. ولكن ليس معنى ذلك بالطبع أن كل فئة قليلة من المحتم أن تهزم فئة أكبر منها. غير أن عضو التنظيم السري الجهادي، يؤمن إلى حد الضلال بأنه قادر على هزيمة أي فئة أخرى مهما كان عددها وإمكاناتها. هذه نقطة بداية في التفكير يتجاهلها هو تماما، هو لا يتساءل: هل نستطيع التغلب عليهم؟

ليس لأنه واثق من ذلك بل لأنه يؤمن بذلك، غير أنه عند التطبيق العملي على الأرض، يكتشف أن إيمانه وحده ليس كافيا للانتصار في معارك عسكرية على الآخرين. في منتصف السبعينات حدثت مؤامرة الكلية الفنية العسكرية، قام بها تنظيم من طلبة الكلية، سيقوم بتخدير الحرس ثم يستولي على السلاح، ويخرج فورا إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون ويلقي البيان رقم واحد، عندها تبدأ الجماعات الجهادية التكفيرية في أداء مهمتها، ومهمتها هنا قتل وذبح رجال الشرطة وضباطها. وفشلت الخطة من المنبع، غير أنهم نجحوا في تنفيذ الجزء الذي يمتعهم في الخطة وهو قتل جنود الشرطة في أسيوط. هذا هو بالضبط تفكير الفئة القليلة التي ليست مدعومة بقيم الحياة والحضارة.

حادثتان حدثتا مؤخرا جعلتاني أفكر في أنه توجد في المنطقة فئة قليلة تتصور أنها تستطيع الاستيلاء بالعنف على الحكم في مصر. أستطيع قراءة الأحداث بسهولة عندما يكون الهدف منها الانتقام أو الغيظ أو البلاهة، ولكن إطلاق النار على تشكيل من تشكيلات الجيش المصري وقتل 6 أفراد في منطقة الإسماعيلية، ثم إطلاق صواريخ على محطة المعادي للأقمار الصناعة، فنحن هنا أمام إشارات جديدة علينا أن نقرأها باهتمام، وخاصة أنه يضرب هذه المحطة في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس المصري بزيارة السعودية، وهي أول زيارة له خارج البلاد. الرسالة هنا واضحة للعالم كله؛ هذا نظام ضعيف ونحن الآن بسبيلنا للتخلص منه. لم تعد الحكاية إذن شرعية الحكم بل الرغبة الواضحة في الاستيلاء على الحكم في مصر بالقوة.

هذه العمليات تمثل ما يسمى بالـ(Destabilization) خلخلة الوضع، هي أشبه بعملية خلخلة وضع الضرس قبل خلعه. لقد كانت جماعة حماس فئة قليلة عندما انتصرت على أجهزة الدولة الفلسطينية الرئاسية، وذلك بعد انتخابات حرة من النوع الذي يستخدم مرة واحدة، ولكن حكم غزة خلق لهم مشكلة، النظام الكفيل لم يعد له وجود في الحكم في مصر، وفلسطين الحكومة الشرعية تتفاوض مع إسرائيل من أجل الوصول إلى دولة فلسطينية ديمقراطية فماذا سيكون وضع غزة؟ والتطرف بوجه عام في المنطقة بدأت أمواجه تنحسر، المستقبل ليس ورديا أمام حماس المحصورة في ركن ضيق من الأرض بين دولتين العلاقة معهما مليئة بالهواجس والمخاوف.

الفئة القليلة هذه المرة تفكر في حكم مصر مستعينة بجماعة الإخوان، فحتى الآن أنا عاجز عن تصديق أن الفلاح المصري يقتل الفلاح المصري بلا قضية. هؤلاء أغراب، بينما جماعة الإخوان تظن العكس، وهو أن هذه العصابات تعمل عندها. إذا كانت الجائزة هي مصر يا سادة، فسيتولون إلقاءكم من فوق البنايات العالية تماما كما حدث مع رؤسائهم السابقين، ولكن ذلك لن يحدث، فالمصريون قادرون على الدفاع عن أنفسهم.