شنو شغلك يوبا؟

TT

الافتراض لا يؤدي إلى شيء. اختصره لنا الراحل فريد الأطرش بأغنية مبسطة تعبر عن يأس العاشق والمشتاق معا: «كلمة يا ريت، عمرها ما كانت تعمر بيت». يقابل الأستاذ فريد (الأستاذ وحيد في أفلامه، للتمويه) في الفكر الفرنسي «المسافة واحدة بين أمس وما قبل التاريخ». سيان، الأربعاء الماضي، أو «أربعاء الرماد» في شعر «تي. إس. إيليوت».

لكن «العالم الافتراضي» لعبة مسلية، فهلم. لنفترض أنه منذ البداية، اختارت مصر رجل دولة مثل عمرو موسى. يعرف، أولا، مصر. ويعرف، ثانيا، أن الشعب المصري المؤلف من 90 مليون نسمة، هو شعب وأمة، وليس حزبا له أمين عام ومرشد. ويعرف ثالثا، كيف تستقيم الدول، وكيف تنمو، وكيف تبقى.

في اللعبة الافتراضية نفسها، فلنتخيل أنه وصل إلى الحكم في ليبيا، أحمد جبريل، ومعه خبرته، ومعهما ائتلاف معروف ومقبول من الأقاليم والمناطق والمدن والواحات، كما كان الحكم الذي أطاحه طاووس النياشين والأردية (من رداء). ولنفترض أن الذي مثل محمد بو عزيزي، في الحكم التونسي الجديد، كان الرئيس، ولكن كرئيس فعلي وليس كرهينة عند محمد الغنوشي، أو الذين لا يجدون في الحكم سوى أنه انتقال من خزنة إلى خزنة.

ماذا نقصد؟ نقصد أن الناس لم تكن تتوقع رجلا يصنع العجائب ويصنع الأمطار، كما في الأفلام السينمائية، ولكن رجلا يحترم الحد الأدنى من حكم القانون ويدرك الحد الأدنى من رؤية المستقبل. مجموعة رجال، لا خوارق، ولا فلتات أزمانهم، يعرفون – مثلا – أن الدول تنمو في المصانع والمزارع والبساتين، وليس في الساحات، حيث ينمو فقط الصراخ (العياط) وتجارة اليافطات وحرق أعلام أميركا.

ويا أبطال الميادين والساحات وفبارك الكلام، خذوا علما. لا حرق لأعلام أميركا بعد اليوم. ابحثوا عن أعلام أخرى وترزي آخر. أميركا خلاص. بقت كويسة، وإحنا حنصالح، ولم يعد مسموحا أن ترفع في طهران يافطات كلام فارغ من نوع «الموت لأميركا». ما لها أميركا؟ تموت ليه؟ أهي خدت الكيماوي ومشيت. أنا حزين. صرت أخجل أن أشاهد برنامجا مضحكا فأتهم (أو أتهم نفسي) بإنسانيتي، ولم أعد أحتمل مشاهدة النشرات الإخبارية، فماذا أفعل؟ شعرت بعقدة ذنب كمن يرتكب إثما وأنا أشاهد قبل أيام مقاطع مضحكة على «MBC» وتلمست نفسي وأنا أتأكد من تحرك أساريري. مقاطع من عبد الحسين عبد الرضا، وناصر القصبي، ولؤلؤة الكويت سعاد العبد الله.

ولي معها حكاية. فقد صادفتها مرة على مدخل المبنى الذي نحن فيه في لندن. وتحيرت، هل أسلم، أم الرجاء عدم الإزعاج؟ أخيرا.. القرار الشجاع. تقدمت وقلت إنني من المتابعين بإعجاب. تقبلت التحية وانتظرت أن يعرف هذا المعجب الآخر بنفسه، ففعلت. فرسمت تلك الابتسامة التي طالما سحرت المسرح الكويتي، خشبة وحضورا، وقالت: «يوبا، شنو تشتغل حضرتك»؟