على روحاني الاهتمام بقضايا ملحة أخرى إلى جانب الملف النووي

TT

أتاح التقدم الحاصل في الشأن النووي إزاحة قضايا ومسائل أخرى عن جدول أعمال المباحثات مع إيران.

بعض هذه القضايا داخلي وكان دائماً مثار الاهتمام مثل انتهاكات حقوق الإنسان، والبعض الآخر دولي مثل دور إيران في دعم جماعات مسلحة كـ«حزب الله» او «فيلق القدس»، ذراع العمليات الخارجية في الحرس الثوري، الناشط حالياً على المستوى الإقليمي.

أحدث تطور طرأ على المفاوضات النووية في جنيف مع القوى الغربية المسماة «الخمسة زائد واحد» (أي الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي ومعهم إيران)، وصف الأطراف المعنية كلها جولة التفاوض بالإيجابية والمثمرة، وتطلعهم إلى عقد جولة جديدة قريباً يومي 8 و9 نوفمبر(تشرين الثاني) الحالي.

كانت هناك توقعات بسماع ما إذا كانت القضايا الأخرى قد طرحت ايضاً على بساط البحث مع طهران. ومع احتمالات تحسن العلاقات الإيرانية – الأميركية، كان ثمة تساؤلات عما إذا كانت واشنطن ستثير موضوع حقوق الإنسان أو تركه إلى وقت لاحق.

في هذا الأثناء، وتدريجياً، يبدو أن خيبة الأمل إلى ارتفاع في صفوف مناصري الرئيس حسن روحاني الذين يرون أن جهوده ما زالت عاجزة عن تأمين الانفتاح للمجتمع وأن وعوده إبان حملته الانتخابية الرئاسية ما زالت بعيدة عن التحقيق. فناشطو حقوق الإنسان الذين يحثون روحاني على التدخل وإنهاء قضيتي ميرحسين موسوي ومهدي كروبي المفروضة عليهما الإقامة الجبرية منذ نحو ألف يوم، منيت آمالهم بصدمة مع نفي وزير العدل مصطفى بورمحمدي يوم الأربعاء الماضي وجود أي مسعى من روحاني على هذا الصعيد. بورمحمدي، مناقضاً تصريحات سابقة، اعلن أن حكومة الرئيس روحاني لن تتدخل في أي مسعى لإطلاق موسوي وزوجته زهراء رهنورد ومهدي كروبي.

من ناحية ثانية، ما زال هناك العديد من السجناء السياسيين المعروفين في إيران وراء القضبان، يمضون فترات محكومية ظالمة، بانتظار سماع ما إذا كان آية الله علي خامنئي سيعفو عنهم. ولكن لعله من حسن طالع هؤلاء أنهم لا يواجهون عقوبة الإعدام في الغد، بعكس ما حصل كثيراً مع آخرين اعتقلوا واتهموا بالتمرد على النظام فحكموا بالإعدام. وبين الحالات الأكثر إثارة للصدمة شنق 16 سجينا سياسيا يوم السبت الفائت في رد انتقامي على مقتل 14 من حرس الحدود الإيرانيين قبل يوم واحد خلال كمين ادى إلى اشتباك مع متمردين قرب الحدود الجنوبية الشرقية لإيران مع باكستان.

مقتل حرس الحدود بطبيعة الحال استقبل بأسى بالغ في عموم إيران، غير أن خبر شنق هؤلاء السجناء عندما أعلِن شكل صدمة وأثار سخطاً واسعاً. الصحافة الاجتماعية الإيرانية كلها عبرت عن سخط الناس وغضبهم مما وصف بـ«رد انتقامي» من القضاء، يعوزه الحياء والإنصاف.

القضاء لم يشر من قريب او بعيد إلى محاكمة، ما يوحي بأن السجناء أدينوا وحكم عليهم بالإعدام من قبل، وما حصل هو تقديم موعد تنفيذ الإعدام بعد الكمين. طبعاً القضاء يتمتع باستقلالية تحول دون تدخل الحكومة بعمله وقراراته وأحكامه، لكن الظاهر أنه يتصرف بصورة مغايرة مع أولئك الذين يحكم عليهم تبعاً لشكل علاقتهم مع النظام.

ربما أهمل التطرق إلى قضية حقوق الإنسان باعتبارها شاناً داخلياً، ولكن ثمة قضايا أخرى ذات صفة دولية أحجم المتفاوضون عن تناولها حتى الآن، ويهم دول المنطقة (أي الشرق الأوسط) كثيراً معرفة ما إذا كان لها أن تثيرها القوى الغربية مع إيران.

خلال شهر مايو (أيار) من العام الحالي جاء في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب في العالم ما يلي: «عام 2012 كان ثمة عودة واضحة لرعاية الدولة الإيرانية للإرهاب، عبر فيلق القدس في الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية، ووزارة الاستخبارات والأمن، وحزب الله حليف إيران الذي يظل مصدر تهديد كبير لاستقرار لبنان والمحيط الأوسع».

مع هذا لم نسمع لتاريخه إذا كانت ديناميكيات المفاوضات النووية مع إيران عرّجت أيضاً لتناقش الاهتمامات الداخلية والدولية ولو جانبياً. ولكن في ما يتعلق بالأزمة السورية والمساعي الحميدة للأخضر الابراهيمي، الموفد العربي والدولي لتسوية الأزمة في سوريا، يلاحظ أنه شدد على أهمية مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف 2»، وبالتالي، بات من الضروري ان نعرف ما إذا كانت كل هذه القضايا قد نوقشت بالفعل، وإلى أي درجة.

لقد تغيرت الحكومة في إيران وتوقعات الناس من روحاني تختلف عما كانوا يتوقعونه من أحمدي نجاد. روحاني رجل معتدل وراغب في تحسين علاقات إيران مع جيرانها الإقليميين بالإضافة إلى الدول الغربية. إنه حريص على حل الأزمة النووية خلال فترة قصيرة ليتجه نحو الاهتمام بإنعاش الاقتصاد الإيراني. ولكن ما يريده ويرغب فيه يشكل وجهاً واحداً للوضع، وهو لن يستطيع تحقيق كل ما يصبو إليه ما لم يتنبه لأهمية التصدي للقضايا الأخرى في الوقت ذاته.

الاكتفاء بالتفكير والعمل في مجال السياسة الخارجية، وصرف الاهتمام عن القضايا الداخلية والإقليمية قد يدمر كل سياسته. إن العلاقات الإيجابية إقليمياً لا تضعها ولا تفرضها القوى الغربية، ويجب على إيران أن تحاول كسب ثقة جيرانها وإشعارهم بالأمن قبل أن تتوقع منهم الترحيب بها والانفتاح عليها، ولا بد لها من أن يرى التحسن الفعلي للعلاقات في عيونهم وليس في عيون الآخرين.

على روحاني الاهتمام بكل هذه القضايا إلى جانب انهماكه بالملف النووي.