خطر داهم.. هل من مواجهة حاسمة؟

TT

كنت في الولايات المتحدة الأميركية بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول). وكما هو معروف أكتوبر هو الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي، أجارنا وأجاركم الله منه ومن كل سوء. لاحظت أن حملة الشريط الوردي كانت تقريبا في كل الأماكن العامة خاصة التي ترتادها النساء بكثرة، مثل المراكز التجارية والسوبر ماركت والمدارس والمطاعم. وهذا أعطاني إحساسا بأن المجتمع ككل حريص على صحة المرأة ورعايتها، وبأن دعم هذه الحملة واجب. كما أن بعض المحلات والماركات العالمية خصصت نسبة من مبيعاتها في شهر أكتوبر لدعم أبحاث سرطان الثدي ورعاية المرضى، بينما قامت بعض المؤسسات بنشاطات ترفيهية - تثقيفية مفتوحة. وكلها تظهر الاهتمام والحماس لدعم الهدف الأسمى للحملة وهو إيجاد علاج لهذا المرض وخفض نسبة الإصابة به.

في المملكة العربية السعودية ازداد الوعي بهذا المرض وبأنواع السرطان الأخرى، لكن يظل الحديث هامسا عن السرطان والمصابين به. ومقارنة بالدول الأخرى، تصنف السعودية من أقل الدول إصابة بسرطان الثدي، حيث تصاب 18 سيدة بين كل 100.000 سيدة في السعودية سنويا، مقارنة بـ120 حالة لكل 100.000 سيدة في الولايات المتحدة الأميركية. ولكن يعد سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطانات التي تصيب النساء حول العالم. وفي السعودية، يعد سرطان الثدي أكثر الأورام انتشارا، وذلك بنسبة تتراوح بين 24 و26 في المائة.

وتقوم عدة جهات خيرية، مثل جمعية زهرة لسرطان الثدي، بنشاطات توعوية لحث النساء على الفحص المبكر خاصة لمن تجاوزن سن الأربعين، حيث تثبت الدراسات تزايد مخاطر الإصابة مع التقدم في السن. ويبلغ معدل الإصابة بسرطان الثدي في السعودية 47 سنة. ولكن المشكلة أن نسبة اكتشاف سرطان الثدي في المرحلة الأولى هي 15 في المائة فقط، ومتوسط المدة بين ملاحظة الأعراض واستشارة الطبيب 9 أشهر، مما يزيد من احتمالية تطور المرض إلى المراحل المتأخرة، وبالتالي صعوبة الشفاء. وهنا تأتي أهمية إجراء الفحص الدوري للثدي عند المتخصص، بمعدل مرة كل 3 سنوات من بعد سن العشرين وحتى الأربعين، وسنويا من بعد سن الأربعين.

وسعدت بمشاهدة بعض المبادرات من قبل محلات في المراكز التجارية وشركات في المملكة تدعم حملة الشريط الوردي، واهتمت الكثير من وسائل الإعلام بإلقاء الضوء على المرض وكيفية التعامل مع المريضة وطرق العلاج المختلفة. وتبذل بعض الجهات الخيرية مثل جمعية زهرة، ومراكز الأبحاث والرعاية مثل مركز الشيخ محمد حسين العمودي للتميز في الرعاية الصحية لسرطان الثدي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، جهودا لنشر الوعي وتثقيف النساء بالعوامل الرئيسة للإصابة - وهي الوراثة، والتاريخ الصحي، والسن، والسمنة، والتدخين - وسبل الوقاية وأهمها اتباع نمط حياة صحي - الابتعاد عن الأطعمة الدهنية، وممارسة الرياضة، والتوقف عن التدخين - والكشف المبكر. ولكن رغم هذه الجهود الرائعة فإنني لم أشعر بأن هناك اهتماما وحرصا من قبل المجتمع كما هو حاصل في الولايات المتحدة الأميركية، ولم ألحظ ذلك الانتشار الواسع للشريط الوردي حتى في الأماكن التي ترتادها النساء. لا يزال التعامل مع مرض السرطان عموما وسرطان الثدي خصوصا وكأنه شيء يجب إخفاؤه، ونادرا ما يحصل، وإن حصل فإنه قدر ولا أمل في العلاج.

للأسف تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الإصابة بالسرطان بأنواعه في ارتفاع، والأسباب عدة ومنها نمط الحياة غير الصحي. وبالنسبة للنساء ينتشر بينهن التدخين، ومعظمهن لا يمارسن الرياضة وذلك لعدم توافر الأماكن الملائمة، بالإضافة إلى نوعية الطعام، وكلها عوامل تؤدي للسمنة. والسمنة خطرها يشمل أيضا أمراض القلب والسكر.

ما أود قوله هو أن التوعية الصحية يجب أن تكون شاملة. أي لا يكفي أن نقول للمرأة عليك بالكشف المبكر للثدي، ولكن أيضا التوعية بأهمية اتباع نمط حياة صحية وتوفير إمكانية ذلك بالتنويه في السوبر ماركت مثلا عن الأطعمة المفيدة للجسم في مقاومة الأمراض، وإيجاد أماكن مناسبة للمرأة لتمارس الرياضة من دون مضايقات أو تكلفة، وتحديد سن للتدخين - خاصة النرجيلة - في الأماكن العامة، ومعاقبة الأماكن التي تسمح للمراهقات (والمراهقين) بالتدخين. المراهقة هي الأم في المستقبل، ومنها يتعلم الأطفال وجيل المستقبل أكثر من الأب، ولذلك فإن الاهتمام بتنمية حس المسؤولية لدى المراهقة وتوجيه طاقاتها وأوقاتها لاستغلالها في أشياء مفيدة مهم. وهنا نعود مرة أخرى لدور المجتمع في ذلك من خلال المؤسسات الخاصة التي في رأيي ما زالت بعيدة عن القيام بدور فعال ومستدام نحو المسؤولية الاجتماعية، وتتعامل مع الحملات التوعوية والنشاطات بطريقة مؤقتة.

وأخيرا، نقطة حساسة. استئصال الثدي بالنسبة للمرأة ليس فقط مجرد استئصال جزء من جسمها، لكنه استئصال جزء من أنوثتها وإحساسها كامرأة. تحتاج المرأة الكثير من الدعم المعنوي والنفسي من قبل زوجها وأبنائها وأسرتها والمجتمع. دور الرجل مهم في حياة المرأة المصابة بسرطان الثدي. من الضروري توعية الرجل أيضا بأهمية قيام المرأة بالكشف المبكر ومتابعة العلاج، وأن يوفر لها المناخ المنزلي الداعم، وإغداقها بالحب والرعاية، ومساندتها والوقوف بجانبها في كل خطوة. كما يجب توعية الأبناء بكيفية التعامل مع والدتهم ومرضها وتوفير الدعم النفسي لها.

أحيي كل من يقوم بواجبه نحو المجتمع في التوعية بهذا المرض، وأتمنى أن أرى المزيد من الجهود والمبادرات للتخفيف عن المرضى ومساعدة الأسر، ودعم مراكز الأبحاث والجمعيات الخيرية.