امسك.. كاميرا موبايل!

TT

كل شخص أصبح بحد ذاته ناقلا للأخبار والصور، بل مفسرا لها، وموجها لمسار هذه المادة المبثوثة بمجرد التقاطه للصورة أو مقطع الفيديو.

مشكلة هذا الأمر أنه ينتهك خصوصيات الآخرين، ويشوش على مجريات التحقيق الأمني وغير الأمني، بدافع الفضول وشهوة الحضور في مواقع التفاعل الاجتماعي على الإنترنت، والتباهي باشتمال حساب الشخص الفضولي هذا على الجديد والمثير من الصور.

نعم.. ليس كل ما يلتقط من الصور والمقاطع من هذا النوع الحشري الفضولي، ففيه أحيانا مقاطع تثبت دليلا وتستعين بها سلطات التحقيق وتتخذ أسانيد في الأحكام، كما أنه ثمة مقاطع ظريفة ومفيدة. هذا كله معروف، لكن غير المقبول هو هذا الانجراف المجنون في وادي الإثارة والإغراب بالمختلف من الصور. وتتعاظم المأساة حين تكون هذه الصور لفاجعة طرف آخر، مثل حوادث السيارات القاتلة، مثلا.

قبل أيام نشرت «العربية نت» أن الحكومة السعودية ستصدر تنظيما جديدا يمنع الجميع من التصوير في الأماكن العامة من دون تصريح. ووفقا للخبر فإنه خلال أسابيع سيتم الإعلان عن القانون الجديد الذي ستلزم الجهات بتطبيقه في ما يخص التصوير والنشر الإلكتروني الذي تجده الحكومة ينتهك الخصوصية للفرد داخل الدولة. وحسب ما ذكرته هيئة الإعلام المرئي والمسموع، فإن «التصوير في الأماكن العامة السماح به غير مطلق، وما يقوم به بعض الأفراد خطأ، وخاصة في الأماكن التي لا يسمح فيها بالتصوير، وهذا ما ستنظمه اللائحة الجديدة».

الخبر لم يعجب، كما هو متوقع، رواد مواقع «تويتر» وأمثاله، لكن كل شيء لا بد له من تنظيم وقيد، فحريتك يجب ألا تكون مضرة بحريات الآخرين، فما بالك بخصوصياتهم؟! كما أن هذا الانفلات قد يربك مجرى قضية تحقيق دقيق، أو ينبه شخصا مطلوبا للأمن والشرطة، وغير ذلك.

هذه شكوى عالمية وليست سعودية فقط، لكن لن يشعر بضرر هذا الانفلات في محتويات الإنترنت إلا من يمسه هذا الضرر بشكل شخصي، حينها سيكون ممن يطالبون بتقنين هذه الأمور وتنظيمها، أما قبل ذلك فحديث الرخاء الديمقراطي غزير ولا جمرك عليه.

لقد تحول عالمنا وما فيه من بشر وقصص إنسانية، إلى منابع لمجرد إثارة الدهشة لدى المتلقين، وصار الإنسان مجرد شيء تجاري إعلامي لا قيمة له، وأمسى الكل يمسكون بكاميرا الموبايل وكأنهم يمسكون بمسدس قاتل.

الحرية بلا مسؤولية وصفة مباشرة للجريمة والخوف العميم.