هل أحب الحجاج البازلاء؟

TT

يعيش الشرقي خائفا من «غدرات الزمان». لا ضمان عنده ولا أمان، ولذلك يحيا على الأمثال: «خبئ القرش الأبيض لليوم الأسود». هو مثل عنصري كما ترى. هتلر كان أبيض وموسوليني كان أبيض وستالين كان أبيض، وليس أبيض نيلسون مانديلا، والمهاتما غاندي، ومارتن لوثر كنغ. تربينا على أنه إذا ضحك المرء كثيرا اليوم، حتى في مسرحية هزلية، تعوذ من مغبة ذلك غدا. فهو كائن لا يستحق حتى الضحك. وإذا كانت تخبئة القرش حكمة، فالخوف من الضحك خرافة. لكننا، مثل مجتمعات كثيرة، مزروعين بالخرافات وإن كنا ننفيها، أو نسميها أشياء أخرى.

تكتشف أن الأمثال متشابهة على الرغم من اختلاف المجتمعات. كان وديع الصافي يغني عن هناء الفلاح بأنه يعيش على «الخبز والبصل والزيتون».. لأن في بلادنا الزيتون «كتير». وقد اكتشفت أن الحياة في العصر الفيكتوري كان قوامها «الخبز والبصل»، لأن الزيتون لا يعيش في البلدان الباردة.

أتحاشى، مذ كنت شابا، أن أطلب «الكافيار» أو «الكركند» في أي مطعم، لأنهما علامة البطر. كالضحك الكثير. لكنني أقرأ للمؤرخ بيل برايسون أن «الكركند» كان في القرن التاسع عشر، أكلة شعبية في بريطانيا لوفرته، وكذلك كان «الكافيار» طبقا شعبيا في مقاهي أميركا. إذا وقعت سيدة عقدا للعمل لدى عائلة نبيلة كانت تشترط ألا تطعم «الكركند» أكثر من مرة في الأسبوع. الطبق الرخيص الآخر كان «القواقع». نصف قواقع العالم كان في ميناء نيويورك. هذا طبق أيضا لا أطلبه على قاعدة الخوف من الضحك الكثير.

دعنا مما نأكل، هل تصل قراءاتك إلى تاريخ «الكركند» و«القواقع»؟ لا. كنت أقرأ تاريخ «المنزل» وكيف تطورت الحياة في بريطانيا وأميركا، وكيف نشأت فكرة المطبخ والحمام وغرفة الطعام، ومنه عرفت أن توماس جيفرسون لم يكن فقط رئيسا وأب الدستور الأميركي، بل كان أيضا مزارعا جرب 22 نوعا من حبوب عائلة «البازلاء» وزرع في بساتينه 250 نوعا من الخضار والثمار.

هل كان فقط رائد الدستور؟ لا. كان أول أميركي يقطع البطاطا ويقليها، ولذا فهو أيضا أب ما يسميه الأميركيون «المقليات الفرنسية». ذلك كان أوائل القرن التاسع عشر، ولم تكن هموم أميركا قد أصبحت في الحروب العالمية والفيتنام. كانت الهموم على الأرض، في الحديقة، وليس في الفضاء والمشارق والمغارب.

كيف يمكن أن تضع كتابا من 700 صفحة عن تاريخ «المنزل» و«بازلاء» المستر جيفرسون؟ من المراجع. أهل الغرب (والشرق) كانوا يدونون فقط الأشياء الكبرى. نعرف القليل عن تفاصيل الحياة اليومية. في أي حال، الحجاج كان يزرع الرؤوس، وكانت قطافه الوحيد. لم يكن يحب البازلاء.