مأزق العلاقات اليابانية - الكورية الجنوبية

TT

شهدت العلاقات بين حليفتي الولايات المتحدة، اليابان وكوريا الجنوبية، توترا جديدا نتيجة لعدد من القضايا التي تعود إلى تاريخ الحرب والإرث المضني للحكم الاستعماري الياباني الذي عاشته كوريا في الفترة بين عامي 1910 و1945. فلم يلتقِ قادة البلدين منذ مايو (أيار) 2012، كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة ارتفاع نسبة الكوريين الذين يؤيدون التقارب مع الصين عن اليابان إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل. وعلى الجانب الياباني قال لي مستشار رفيع لرئيس الوزراء الياباني مؤخرا إن الولايات المتحدة قد لا تتمكن من الوصول بحرية بعد الآن إلى قواعدها في اليابان لدعم كوريا الجنوبية في الحرب.

هذه العلاقة المختلة وظيفيا تهدد بتقويض المصالح الأمنية الأميركية، بما في ذلك التعامل مع الصين الصاعدة وكوريا الشمالية العدائية. وكان صناع السياسة الأميركيين يمنون أنفسهم بأن تتلاشى ذكريات الحرب بمرور الوقت. لكن يبدو أن الزمن لم يتمكن من علاج التأثير الهدام لهذا الظلم التاريخي أو التخفيف من لهيب القومية بين الأجيال الشابة في شمال شرقي آسيا.

وأكثر ما تأسف له الولايات المتحدة، عدم قدرة أي من اليابان وكوريا الجنوبية على العثور على طريق المصالحة من تلقاء نفسيهما. وإضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الحالة غير المنتهية من تسوية ما بعد الحرب، ونظام الحرب الباردة اللاحقة التي منعت المصالحة.

لكن هناك خطوات عملية يمكن أن تحسن هذا الوضع. ينبغي أن تأتي على رأس القضايا التي سيناقشها جدول الأعمال تعويض جميع ضحايا نظام السخرة الإمبراطوري الياباني زمن الحرب - بدءا بالحرب الصينية اليابانية عام 1937 - بما في ذلك «نساء المتعة» اللاتي أجبرن على العبودية الجنسية. وكانت الحكومة اليابانية تصر، بدعم من الولايات المتحدة، على أن مسألة التعويضات تمت تسويتها بموجب معاهدة السلام في سان فرانسيسكو أو بمقتضى اتفاقات تطبيع العلاقات مع الصين وكوريا الجنوبية. ولكن بعض الباحثين القانونيين، بما في ذلك بعض اليابانيين، أكدوا أن التسوية بين الدول لا تمنع الأفراد من السعي للحصول على تعويضات.

وقد أيدت القرارات الأخيرة لمحكمة في كوريا الجنوبية هذا المبدأ، ففي يوليو (تموز)، أمرت اثنتين من المحاكم العليا الشركات اليابانية الكبرى – «ميتسوبيشي» للصناعات الثقيلة، وشركة «نيبون ستيل وسوميتومو كورب» المعدنية - بتعويض الكوريين الذين أجبروا على العمل في المصانع والمناجم خلال الحرب. ويعتقد المؤرخون الكوريون أن نحو 1.2 مليون كوري أجبروا على العمل خلال الحرب، وأن نحو 300 شركة يابانية قائمة استغلت هؤلاء العمال.

ويشعر صناع السياسة اليابانية بالانزعاج لأن أصول الشركة اليابانية يمكن أن يجري الاستيلاء عليها إذا رفضوا دفع التعويضات، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التوترات. ولكن بدلا من اعتبار ذلك تهديدا ينبغي على اليابانيين انتهاز هذا كفرصة لتوفير العدالة لأولئك الضحايا، ومعظمهم يعيشون سنوات عمرهم الأخيرة.

يتعين على اليابان اتباع نموذج الصندوق الألماني للمستقبل، والمعروفة رسميا باسم مؤسسة «تأبين والمسؤولية والمستقبل». تأسس الصندوق الذي يبلغ حجم تمويلاته 5.2 مليار يورو، في عام 2000، هو مشروع مشترك بين الحكومة الألمانية وشركات القطاع الخاص الألمانية التي لجأت إلى العمالة القسرية خلال الحرب العالمية الثانية. وبالتعاون مع المنظمات الدولية الشريكة، عوضت ألمانيا أكثر من 1.6 مليون من الناجين في ما يقرب من 100 دولة. وتواصل المؤسسة جهودها في تنفيذ برامج البحث والتعليم.

وقد لعب كبار المسؤولين في حكومة كلينتون، الذين قادهم آنذاك نائب وزير الخزانة ستيوارت أيزنستات، دورا مركزيا في المفاوضات المعقدة مع الحكومات متعددة الجنسيات وجماعات المواطنين التي أدت إلى إنشاء الصندوق الألماني وآخر مماثل في النمسا. وكان أحد دوافع مشاركة الحكومة الأميركية في ذلك الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الشركات الألمانية في المحاكم الأميركية. ورأى مسؤولون أميركيون في ذلك مصلحة وطنية للبلاد للحد من التوترات مع ألمانيا، وحل مشكلة العمالة القسرية، وليس فقط من قاموا برفع تلك الدعاوى.

إن واشنطن بحاجة إلى لعب الدور ذاته اليوم مع اليابان. ومن جانبها، ينبغي على كوريا والصين والجماعات التي تمثل ضحايا العمل القسري قبول هذا الحل كتسوية نهائية لجميع قضايا التعويض. واليابانيون بحاجة إلى ضمان أن يكون ذلك بمثابة إغلاق نهائي للقضية.

سيكون هذا، بالطبع، خطوة جريئة وصعبة سياسيا لجميع الدول المعنية. ومن ثم يجب على الولايات المتحدة أن تتخلى عن موقفها الحيادي في القضايا التاريخية، لأنها ليست طرفا محايدا، وأن تأخذ بزمام المبادرة. كما يجب على القيادة اليابانية التخلي عن عادات الدفاع عن الماضي وأخذ زمام المبادرة. ويجب أن يكون ضحايا الحرب في اليابان على استعداد للتخلي عن استخدام التاريخ كسلاح سياسي.

* دانييل سنيدر، المدير المساعد للأبحاث في مركز «شورنستاين» لأبحاث آسيا والمحيط الهادي في جامعة ستانفورد، والمدير المشارك لمركز «ذكريات مشتركة ومشروع المصالحة».

* خدمة «واشنطن بوست»