مسالك الزواج

TT

للزواج طرق ومسالك كثيرة انحصرت عرفيا في فصيلتين: الزواج المرتب، أو العائلي، وهو أن يختار الأهل الزوجة المناسبة، وهذا ما شاع في الشرق.. وزواج الحب والغرام الذي شاع في الغرب، حيث يختار المرء لنفسه قرينته. بيد أن أنواعا جديدة شاعت في هذه الأيام، كالزواج بالإنترنت وبالمراسلة وبالإعلانات وبواسطة مكاتب التعارف والزواج. لكنني شخصيا أفضل الزواج الوظيفي كما دعا إليه برنارد شو، وكما لم أتبعه في حياتي.

استغرب برنارد شو كيف أننا عندما نعين سكرتيرة ندقق في أوراقها وشهاداتها ومؤهلاتها، ثم نجري لها مقابلة نتأكد فيها من حسن شخصيتها وملاءمتها، ثم نختار من هي الأصلح.. لكننا لا نطبق الأسلوب نفسه عندما نختار من هي أهم من السكرتيرة، أي الزوجة. العيب الوحيد هنا هو أننا نسأل السكرتيرة أيضا عن خبرتها وتجاربها، وهذا ما لا يتيسر في اختيار زوجة. وكذلك نحن نستطيع أن نعين سكرتيرة لثلاثة أشهر تحت التجربة، لكننا لا نستطيع أن نتزوج بهذا الشرط. وهذا ينسف فكرة برنارد شو.

لكنني اكتشفت في بريطانيا نوعا آخر جديرا بالنظر، كثيرا ما اتبعه الإنجليز، وهو الزواج بالصف، أو الطابور، أو الكيلو. شاع هذا النوع من الزواج في بريطانيا خلال الحرب وأيام التموين. كانت صفوف الانتظار تمتد أحيانا لمئات الأمتار للحصول على قطعة لحم أو أوقية سكر. كثيرا ما استغرق الانتظار والوقوف في الصف عدة ساعات. تسأل كثيرا من الرجال الذين تزوجوا في تلك الأيام كيف تعرفوا بأم أولادهم، فيقولون: التقيتها في صف الزبدة أو البطاطا. فالوقوف الطويل في الصف بجانب امرأة أو أمامها يفرض عليك مكالمتها والدردشة معها، وبالتالي يعطيك الفرصة لاكتشاف الكثير من تفاصيل حياتها ومؤهلاتها. لا يصل المرء لنهاية الصف إلا ويكون قد تبادل معها العنوان ورقم التليفون.. والباقي على الله.

لم أختر أم نايل من أي صف وقفت فيه. فهي تكره الانتظار وتترك ذلك لي. وهكذا اكتشفت أن الوقوف في الصف يعطي أحسن فرصة لتثمين شخصية الواقفين والواقفات. تكتشف من عندها الصبر ولا تتوتر أعصابها بسهولة وتشتم الحكومة. تلاحظ قوتها وصحتها البدنية، فتكتشف كل ما يعجز الطبيب عن اكتشافه: هل ينقطع نفسها من التعب؟.. هل تسأل عن أقرب مراحيض للسيدات؟.. هل تفرك عينيها أو تحك رأسها أو تمسك بطنها أو تشكو من وجع في صدرها أو مفاصلها؟ استعمل أسلوب الخطّابات في بلادنا. ابتكر عذرا للاقتراب منها بحيث تشم أنفاسها.. هل نفسها كريه أم نظيف ومليح؟.. هل فيه شيء من رائحة الثوم والبصل؟ دقق وأنت على مقربة، هل مسحة خدها بلونها الطبيعي أم هي طبقات من البودرة والحمرة؟ وكلامها، هل صوتها جميل ومريح ولا تهذر من دون معنى كقادة الإخوان المسلمين، أم تقنط قنوط المكتئبات؟

لا تسخر يا سيدي من هذا الكلام، فما دام شح الخام والطعام في بلادنا فستمتد صفوف الانتظار، وببركة الله تتحول إلى وسيلة جيدة للتعارف واختيار أمهات المستقبل، أمهات الجيل الصاعد، أو الهالك.