دول الاعتدال: تجاوز حالة الفراغ السياسي!

TT

مرحلة عصيبة تمر بها المنطقة الآن رغم أن كل شيء فيها موار ومتحرك وسائل سياسيا؛ فإن تلك الفعالية السياسية هي محصورة ببناء تفاعلات إقليمية ودولية جديدة على أنقاض واقع داخلي مهشم أو قابل للانفجار في أي لحظة.

العودة إلى الداخل كما أشرت في مقال سابق ليست مهمة فقط على صعيد الوحدة الداخلية للدول المهددة بالانقسام؛ بل هي خيار جديد للاحتماء بشرعية الشعب والحد الأدنى من المشتركات الوطنية بعد انهيار مكونات المشهد السياسي العربي، سقوط الأنظمة الربيعية وما تلاه من سقوط جماعات الإسلام السياسي قابله حالة موات دخلتها الأحزاب السياسية قديمها وجديدها الذي طبخ على عجل بعد الثورات.

حالة الفراغ هذه جعلت الأمور تقف على حالها منذ الثورة التصحيحية في مصر والتي لم تتجاوز بعد نشوة الانتصار على «الإخوان» والحال مشابه له بنسب متفاوتة في باقي الدول ما بين احتدام معركة الإسلام السياسي مع خصومه في تونس أو انهيار مؤسسات الدولة في نماذج اليمن وليبيا أو العودة إلى سطوة الديكتاتور كما هو الحال في سوريا، وهو أسوأ نموذج ألقى بظلاله على كل الفعالية السياسية في المنطقة.

حالة التفتت التي تعاني منها المكونات السياسية جعلت من منطقة الشرق الأوسط فارغة سياسيا لا توجد أحزاب بديلة مهيأة لقيادة دور في الشارع بعد اضمحلال شرعية وحضور الإسلام السياسي، القوى المسيطرة الجيش والموالون له لا يستطيعون ملء الفراغ المجتمعي خارج هتافات النصر والمسكنات الوطنية ذات الطابع الاحتفالي، الفجوة تزداد عمقا بين القوى الحاكمة وبين المجتمع المنقسم على ذاته بسبب الاحتجاجات الشعبية التي ما زالت مستمرة بسبب تردي الأوضاع أكثر من كونها انحيازا لطرف دون آخر لأهداف سياسية محضة.

رفض الولايات المتحدة لأي تدخل في سوريا وتصلبها إزاء ما حدث في مصر هو إيذان بنهاية دورها الإيجابي في المنطقة، ولو قيل إن أميركا الآن منحت الأمان لنظام بشار الأسد الدموي حتى بات أكثر استقرارا من كل الدول الربيعية لما كان خطأ، لكن الخطأ عادة في تجريم وشيطنة التحركات الأميركية هو في منحها بعدا مؤامراتيا على طريقة شرطي العالم الشرير، وهذا جزء من تعقيد الحلول في إفهام الإدارة الأميركية مكمن الخلل.

لامبالاة أوباما ليست مسألة شخصية أبدا بل يمكن القول، إن ثمة ما يشبه البارانويا الأميركية في الدخول إلى مغامرة عسكرية جديدة على خلفية نموذج العراق، لكن جزءا من المشكلة، وعادة لا يبصر السياسي الصورة كاملة، هو غياب البديل الفاعل، فليس من المرجح الآن أبدا الحديث عن أدوار روسية أو صينية أو حتى أوروبية.

الحل ليس فقط في العودة إلى الداخل فحسب بل العودة إلى مفهوم الدولة ولو عبر بنائه من جديد، وذلك بتطوير أداء الحكومات الداخلي وتحسين كل مسببات الإخفاق سياسية كانت أم اقتصادية ولو عبر بناء حلف جديد لدول الاعتدال مع الدول المتضررة من السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة والتمدد الإيراني الذي قد تحدثه.

وإذا كانت إيران قد أفلحت في تقديم نفسها مع حلفائها وأذرعها السياسية في المنطقة ككتلة واحدة كبيرة قابلة للتفاوض؛ فإن ذلك قد تم برافعة طائفية عبر تصدير التشيع السياسي، وهو الأمر الذي قد يصعب القيام به بتكوين تحالف سني سياسي ليس فقط بسبب ضبابية المفهوم السني بمعناه السياسي الحشدي، ولكن أيضا لأن تحالفا كهذا من شأنه أن يرتد على انقسامات داخلية عنيفة بسبب ما قد يسببه من موت محتم لمفهوم المواطنة الذي يعيش أكثر أوقاته حرجا.

ومع ضعف احتمالات نجاح بناء تحالف سياسي سني؛ إلا أنه من المهم تعزيز قدرة دور الاعتدال بقيادة السعودية على تقوية علاقاتها بالمكونات السياسية للدول التي عبرت أزمة الثورات لا سيما تلك التي لها امتداد جيوسياسي وتاريخي كمصر واليمن أو تلك التي تشكلت فيها قوى جديدة ترى في السعودية لاعبا مهما وفاعلا ضد الأطماع التوسعية لإيران.

على المستوى الدولي يجب الخروج من مأزق تحويل أميركا إلى «شيطان أكبر» من منظور سني إلى إعادة المحاولة وعدم اليأس من تصحيح الصورة الأميركية المغلوطة عن المنطقة وذلك عبر بوابة الإرهاب وذات المخاوف الأميركية من الجيل الجديد للإرهابيين الذي يصنع في سوريا ويهدد أمن إسرائيل.

فضح هذه المغالطة التي تخفي فيما تؤكده من إرهاب جديد مسببات وجوده وتضخمه وهو بقاء النظام الأسدي حتى الآن مدعوما بالميليشيات التابعة لإيران وحزب الله، وبالتالي بقاء معاناة الشعب السوري الذي يبدو أن في خلاصه خلاصا للمنطقة بأسرها على كل المستويات.

[email protected]