معرض «في الموسم».. الأقفاص الحديد

TT

الحقيقة أنني كنت مأخوذا في تفحص نوعية الحديد، أو بالأحرى نوعية التصميم. فما زلت لا أنسى رثاثة القفص الحديدي الذي جرت فيه محاكمة صدام حسين وإخوانه ورفاقه. تصميم معيب فيما تتقدم العراقية المهندسة زها حديد (حديد في كل مكان) جميع المهندسين المعماريين في العالم. ثم عرض علينا حديد الرئيس حسني مبارك وولديه ورجاله («جميع رجال الرئيس» كما في الفيلم الشهير).. وبعدها حديد ليبيا، الجلاد الشهير عبد الله السنوسي في القفص ومن حوله ممثلو الشعب وزعماء اللجان الشعبية الجماهيرية العظمى. تنتقل الكاميرا العربية بنورها المشع، فإذا خلف الحديد هذه المرة «أنا الرئيس الشرعي» الدكتور محمد مرسي يهتف، مثل ميرابو، خطيب الثورة الفرنسية «نحن الشعب.. أنتم انقلاب».

الحقيقة، وسط كل هذه الأقفاص، تحية لحسني مبارك، تلفظ بكلمة واحدة: أفندم! الباقي، باسم يوسف. المسكين سبعاوي يمزق فانلته في القفص بسبب نوبة اختناق. أو علي الكيماوي شاردا يتساءل ماذا ارتكب؟ حلبجة؟ هل تستحق الذكر في عالم يحكمه قانون حلبجة؟ الحقيقة أن تصميم الأقفاص قضية قومية مهمة بعكس ما تبدو. إنها جزء من السجن العربي الذي يجب ألا يهان. ومن سجن أبو سليم إلى سجن أبو غريب خط حديدي واحد، أو سكة حديدية واحدة، إذا شئت، مستقيمة ولها نهاية واحدة أيضا.

ماذا يخفف من بؤس هذا المنظر؟ شيء من باسم يوسف. كان الرئيس إلياس الهراوي يفرح كل صباح بصورته كما يراها رسام الكاريكاتير بيار صادق. لقد حبّبه إلى الناس كما حبّب إليهم شارل حلو من قبل، بسمنته وظرفه وابتسامته. إحدى مشاكل الرئيس محمد مرسي أنه لم يكن يحرك في المصريين الحاسة «سبعتاشر».. حاسة الضحك والفرح وتحويل مسلسل النقص الغذائي إلى مسلسل نكات يومية على الأرز والسكر واللحمة. ما هي الحواس التي قبل 17؟ لا أدري. إنما إحنا عاوزين نمرة للحاسة دي، الحاسة التي تميز الحياة المصرية حيث يظهر في ذروة الغضب شيء يدعى باسم يوسف. هل تتوقعون ظهوره في ليبيا أو العراق؟

ضُبط الساخر الراحل محمود السعدني في مكالمة هاتفية وهو يقول «ذاك موّتنا من البكا ودا حيموتنا من الضحك».. أرسله الرئيس السادات إلى السجن. لكن الذي اغتاله لم يكن على شيء من الظرف أو خفة الظل. السعدنيون واليوسفيون وسائر المشاغبين يشكلون فرقة سلاح الابتسامة، وهي تخفف من التعاسة واليأس والنكد التي تلف الأمة. ولنترك الحديد للأغنية: يا سيدي أمرك، أمرك يا سيدي، تقدر تحط الحديد في إيدي! مش كان أحسن بلاها يا باشا؟