أرض النار

TT

منذ زمن بعيد آمن أهل أذربيجان بأن أرض بلادهم ليست كأي أرض، فهي تتفجر بلا سبب معلوم لتخرج النار من جوفها دون حمم أو براكين، ولكن تنشق الأرض لتخرج منها النار وتستمر بلا انقطاع. وبدأ المجوس، ومن بعدهم جماعات هندية، تعبد هذه النيران المتوهجة على اعتبار أنها النار المقدسة! وجماعات أخرى اعتقدت إلى درجة اليقين أن سحرا عظيما وضع بباطن أرض بلادهم.. ليتضح حديثا أن الله سبحانه وتعالى قد وهب وجعل أرض أذربيجان تعوم على بحر من الغاز الطبيعي والبترول.. ومن عام 2017 المقبل بإذن الله سيقوم إخواننا في أذربيجان بتصدير 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي زوربا عن طريق خط غاز يعبر تركيا واليونان ليصل إلى إيطاليا مرورا ببحر الأدرياتيك.

والبلد لا يعرف عنه الكثير للأسف رغم أنه بلد إسلامي تضرب فيه الحضارة الإسلامية بجذور عميقة تجعلنا نخجل من موقفنا الآن نحو هذه البلدان التي فتحها الإسلام وانتشر بها وتركناها نحن ولم نهتم بتأصيل علاقتنا بها حتى بعد فك الحصار والقبضة الحديدية للنظام السوفياتي الشيوعي القديم. وقد دعيت لزيارة مدينة باكو لحضور المنتدى الإنساني الدولي وهو منتدى عالمي سنوي يدعى إليه النخبة العلمية والثقافية والسياسية للمجتمع الدولي، بمن في ذلك رجال الدولة، والحائزون على جائزة نوبل في مختلف ميادين العلم، وقادة المنظمات الدولية المؤثرة التي تهدف إلى إقامة حوارات ومناقشات وتبادل وجهات النظر حول مجموعة واسعة من القضايا العالمية التي تصب في صالح البشرية جمعاء.

وكانت الدعوة لمدة يومين وحضرت الندوة المتصلة بتعدد الثقافات وأصولها في المجتمعات.. والجميل والرائع أن هذا المنتدى ليس له أهداف سياسية، ولكنه يبحث عن عالم أفضل.. ويعد المنتدى أكبر حدث ثقافي في أذربيجان افتتحه هذا العام رئيس الجمهورية إلهام علييف وتحدث فيه أكثر من عشرة رؤساء دول سابقين.

البلد رائع جميل بأرضه الساحرة وأهله الطيبين الذين استطاعوا إحداث طفرة اقتصادية كبيرة، وأصبحت باكو تضاهي عواصم أوروبا من حيث العمران والتقدم. ولقد تبرعنا بوقتنا في سبيل أن تكون هذه الأبحاث مفيدة للدول التي تتطلع للأخذ بأسباب العلم والتقدم. وهناك قابلت الدكتور أبو الفاس غراييف وزير الثقافة، ولمست من حديثه مدى اهتمامهم بالحفاظ على التراث وترميم المواقع الأثرية؛ والخطوات التي يتخذونها لبناء جسور ثقافية مع الدول الإسلامية عن طريق مشروع الأسابيع الثقافية لتقديم المجتمعات الإسلامية المختلفة إلى شعب أذربيجان. وقد تقدمت باقتراح عمل ورشة عمل مشتركة حول مشكلات الحفاظ على المواقع التاريخية وكيفية تفاعل المقيمين حول هذه المناطق في الحفاظ عليها. كانت زيارتي لأذربيجان مفاجأة كبيرة لي تيقنت أن العالم من حولنا يتقدم بسرعة مذهلة ولن يكون هناك عزاء للمتخلفين عن ركب قطار التقدم.