طنجة.. مدينة الروايات

TT

في «حي اللصوص»، للفرنسي ماتياس إينار، ينهال الأب ضربا على ابنه حتى يدميه. الأب ليس فرنسيا، وإنما هو حاج ورع وطيب من طنجة. لكن بعكس الأب في مؤلفات محمد شكري، لا يكره الأم ولا الأبناء، ولا يضرب ابنه الصغير حتى الموت، وإنما كلاهما يلجأ إلى الضرب، إلى العنف، وفي التالي لا يعود الابن إلى المنزل الأبوي. محمد شكري يذهب إلى النوم في مدافن طنجة، وبطل «حي اللصوص» يغادرها عبر البحر إلى إسبانيا، مجرد رحلة شاقة من 20 كيلومترا.

لماذا يختار كاتب فرنسي طنجة مسرحا لروايته؟ لأنها من مدن الحدود. لها ألف لون ومأساة ألف هوية، وهي أقرب إلى مدن إسبانيا منها إلى الدار البيضاء، ومدينة تحتمل المخيلات، وخصوصا الملعون منها، الحشيش والتشرد والخمول وأنواع اللذة المحرمة.

لا أدري إلى أي حد طنجة مدينة مخترعة ومدينة حقيقية. هل أحسن إليها محمد شكري أم أساء؟ لقد صادق في هذه المدينة بعضا من مشاهير كتاب الغرب: المسرحي الأميركي تنيسي ويليامز، والفرنسي جان جينيه وبول بولز. وضع شكري مؤلفين عن الثلاثة في طنجة. ما النتيجة؟

كان ويليامز من أهم كتاب المسرح في القرن الماضي، وربما أهم كاتب مسرحي أميركي، فماذا ومن هو عند محمد شكري؟ إنه رجل يبحث عن شقة في حر طنجة، رجل لا نسمعه يتحدث في الأدب أو الفكر أو المسرح، لكنه إما يضحك عاليا وإما يتحدث عن غلمان المدينة. وجان جينيه متسكع في مقهى، وما طنجة، في الكتب، إلا مجموعة مقاهٍ تحمل جميعها أسماء غربية. حتى مانيلا، لها مقهى هنا.

عندما تصل طنجة إلى الكتابة، أو تصل الكتابة إليها، تتحول إلى دراما. الأشياء فاقعة، ويوميات أدبائها، عربا وأجانب، على كثير من الخشونة. صدرت أخيرا مؤلفات شكري عن ويليامز وجينيه وبولز، بالإنجليزية في مجلد واحد (الساقي)، كما صدر (توريس) مؤلف موسع عن طنجة الأدبية بتوقيع جوش شوميك. حتى في الثاني يحضر محمد شكري كيفما حضر شكري، الذي جاءها من طنجة، تاركا في ترابها شقيقه الصغير عبد الخالق، الذي توفي تحت سوط أب سكير غاضب يملأ الأم ذلا والأب رعبا.

شكري مدون للبؤس ولطنجة ولكل من يظهر فيها من ذوي الأسماء العالمية البراقة. إنه رجل يعرف قيمة وموقع ويليامز الأدبي، لكنه ليس مستعدا للبحث عن معانيه. هو، هنا في المدينة، ليس أكثر من كائن عادي من كائناتها، تطحنه ويطحنها. يبحث عن شقة باهتة ويضحك. إلى اللقاء.