كل الخيارات متاحة أمام إيران.. باستثناء نقص الزبدة!

TT

في الأيام التي تشهد سخونة أقل في الأحداث في إيران، أيام الخميس والجمعة، التي تعد بمثابة عطلة نهاية الأسبوع، لم تبد أي صحيفة أو الرأي العام اهتماما بالأخبار. كان الاهتمام الوحيد هو الاستعدادات لتناول الوجبة المفضلة في يوم الجمعة «جلو كباب إيراني» حيث تتجمع العائلات معا. وللأسف، لم يعد هناك الكثير من الأسر التي تملك القدرة على شراء هذه الوجبة الأسبوعية بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والخضراوات والفواكه الأخرى نتيجة العقوبات المفروضة.

في هذه العطلة الأسبوعية الهادئة للغاية، يتوجه الدبلوماسيون الإيرانيون إلى جنيف عساهم ينجحون أخيرا في التوصل إلى اتفاق بين إيران ودول مجموعة «5+1» بشأن البرنامج النووي المثير للجدل. وقد أعلن المسؤولون الإيرانيون عن دعمهم الأمل في إمكانية تحقيق تقدم في هذا الصدد. وأدلى محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بتصريحات لمحطة تلفزيون «فرانس 24» أثناء زيارته إلى باريس في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) قائلا «لقد حققنا بعض التقدم، بيد أنه ما زال هناك الكثير من الشكوك في إيران بخصوص موقف وسلوك ومقاربة بعض أعضاء مجموعة (5+1)». وأضاف ظريف «أعتقد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع، (في 7 و8 نوفمبر)، ولكن عدم تحقيق إنجاز في هذه الجولة من المفاوضات، ليس بالكارثة».

لم يدلِ الدبلوماسيون الإيرانيون الذين يلتزمون السرية الكاملة بأي تصريحات لمدة أسابيع منذ الجولة الأولى من اجتماعهم بالأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا. وكانت الأنباء التي جرى تسريبها حتى الآن صادرة عن مسؤولين أميركيين أدلوا بتصريحاتهم لصحيفة «نيويورك تايمز»، بشرط عدم الكشف عن هويتهم، حيث أفادت تلك الأنباء أن إيران ستوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% لمدة ستة أشهر، وفي المقابل قد تلغي الولايات المتحدة تجميد الأصول الإيرانية في الخارج. وتعني الأصول المجمدة عوائد النفط الإيراني في بنوك اليابان والصين والهند.

أيا كان الاتفاق الذي سيجري التوصل إليه في هذه المحادثات التي تستغرق يومين (يومي 7 و8 نوفمبر) في جنيف، فسيكون ذا أهمية بالغة بالنسبة لإيران كأول إنجاز لإدارة الرئيس روحاني.

من المثير للاهتمام أن نعرف أن الناس في إيران ليس لديها أي آراء بشأن البرنامج النووي وتفاصيل المفاوضات. فما يهمهم هو ما إذا كان من الممكن توافر كميات كافية من الزبد والدجاج والبيض ودخولها إلى الأسواق بأسعار أرخص.

وقد تندهش حين تعرف أن إيران واجهت، منذ فترة ليست طويلة وتحديدا في شهر مايو (أيار) الماضي، أزمة قومية بسبب نقص الزبدة. وحسبما يبدو جليا، يجري استيراد نسبة 95% من الاستهلاك الداخلي من الزبدة من الدول الأخرى، وبمجرد أن فُرضت العقوبات على شركات الشحن الإيرانية، اختفت الزبدة من الأسواق. لقد كنت مندهشة ومصدومة عندما كنت أسمع لعدة أيام الشكوى من نقص الزبدة. كانت جميع الصحف مليئة بالأخبار عن نقص الزبدة كما لو كان ذلك الأمر من أهم الأخبار الوطنية وناقشوا هذا الأمر كما لو كان من أكثر الاحتياجات الضرورية والملحة للشعب.

صدقوني فإن الإيرانيين قد ينزعجون بشدة إذا اضطروا إلى العيش من دون الزبدة، في حين أنهم لن يأبهوا في حال إغلاق كافة المنشآت النووية يوم الاثنين!

عندما تحدثت مصادفة مع مواطنين إيرانيين من الطبقة المتوسطة في دبي، كانوا غير سعداء، بوجه عام، بشأن البرنامج النووي ككل. كان أكثر ما يثير قلقهم هو الثمن الباهظ الذي اضطروا لدفعه دون رؤية مزايا قبول العقوبات. وتنتاب البعض شكوك بخصوص الهدف الحقيقي للنظام. وهمس البعض في أذني قائلين «إنهم أرادوا إنتاج قنبلة نووية، إلا أنهم قد غيروا رأيهم حيال ذلك. هل تعرفين ذلك!».

الرأي الحقيقي للشعب بعيد كل البعد عن تلك الأمنيات المغرقة في التفاؤل التي يجري الإعلان عنها على القنوات التلفزيونية الرسمية المملوكة للدولة.

إذا كانت إيران ترمي الآن للتوصل إلى اتفاق مع الغرب ووقف جزء من برنامجها النووي أو أن لديها مزيدا من الشفافية لإثبات نواياها السلمية، فإن ذلك لا يرجع إلا إلى مخاوفها من زيادة حالة الغضب العام وليس تهديد الغرب أو الولايات المتحدة. يمتلك روحاني، الذي كان رئيسا للمفاوضين النوويين في عام 2003، نفس الفرصة بحيث يجب على فريقه في الوقت الراهن أن يقود المفاوضات نحو التوصل إلى الاتفاق المنشود منذ سنوات.

من يعرف الإيرانيين، يدرك الحقيقة التي مفادها أنهم لن يتظاهروا ضد البرنامج النووي أو إنتاج قنبلة نووية أو أي شيء مرتبط بالحكومة. فعندما يكون الإيرانيون ممتلئي البطون، فإنهم لا يولون اهتماما للسياسة، بيد أنهم قد يخرجون للتظاهر بسبب نقص الزبدة أو ارتفاع أسعار البيض!

عندما ارتفعت أسعار البترول في يونيو (حزيران) عام 2007، أضرم الشعب النيران في محطات البنزين ولم يتمكن أحد من السيطرة على الجماهير الغاضبة. قد تسأل عن السبب وراء اندلاع الثورة عندما كان أغلب الشعب ممتلئ البطون مع عدم وجود نقص في سجائر وينستون والزبدة؟ ربما كان أحد الأسباب هو أن آية الله الخميني قد وعد الشعب بإعفائهم من مصاريف الكهرباء والمياه وصرف أسهمهم البترولية وجلبها إلى بيوتهم من شهر إلى شهر. يا لها من حياة رغيدة!

ربما ينظر المرشد الأعلى في الوقت الحالي إلى التاريخ وليس طموحاته، فتهديد الشعب الجائع أشد خطورة من كافة تهديدات إدارة أوباما التي دائما تكون حاضرة.