«يا أهل بغداد»

TT

حاول أن تحصي الأسماء التركية التي دخلت في تاريخنا خلال خمسة قرون من الحكم العثماني. قليلة جدا. سلطان من هنا وسلطان من هناك. ولأن كل شيء كان في يد السلاطين، أو يتم باسمهم فقط، لم تدرج في كتب التاريخ كثير من أسماء الوزراء أو المستشارين أو العسكريين. لكن منذ بداية الانهيار العثماني عام 1914، امتلأت بلداننا بالأسماء البريطانية ومعها الفرنسية. آرثر بلفور، صاحب الوعد الذي يحمل اسمه، كان الأسوأ سمعة. لكن تي إي لورانس (العرب) يصفه بأنه كان ضعيفا «مثل الماء». القوى الحقيقية استخدمت اسمه. ومن أشهر الأسماء لورانس نفسه، المحرض على «الثورة العربية»، والخاتون غيرترود بل، التي حكمت العراق. لكن لورانس يكتب عن «بل» أنها ضحلة، و«بل» تكتب أنه أشبه بقزم. أما مارك سايكس، فكتب عنها إلى زوجته أنها «ثرثارة مغرورة شكلها أشبه بالرجال ولا تتوقف عن الهراء».

كان الفرنسيون والبريطانيون يكرهون بعضهم في كل مكان، وخصوصا في الشرق الأوسط. واتفاق «سايكس - بيكو»، الذي اعتبره العرب أساس خرابهم، رأى فيه الفرنسيون تنازلا للبريطانيين، فيما اعتبر البريطانيون أن مفاوضهم مارك سايكس باع «بلاده» للمفاوض الفرنسي جورج بيكو.

كان الفريقان يتفاوضان على الشرق وكأنهما جاران يتفاوضان على حدود حديقة واحدة، وحقوق استخدامها. لكن عند الاضطرار كان أحدهم يستخدم اللغة الشاعرية التي يحبها العرب، من أجل استرضائهم. وقد خاطب مارك سايكس أهل بغداد بالقول: «لقد تحولت قصوركم إلى خرائب، وهجرت حدائقكم العظيمة، وطالما شكوتم أنتم وآباؤكم... وإنها لأمنية ملكي وشعوبه وحلفائه من الدول العظمى، أن تعودوا إلى الازدهار، كما كنتم في الماضي، عندما كانت أرضكم خصبة، وكانت بغداد إحدى عجائب العالم. أنتم، يا أهل بغداد، يجب أن تفهموا أن غاية حكومة بريطانيا ليست أن تفرض عليكم مؤسسات غريبة. إن حكومة بريطانيا تأمل بأن تحقق أحلام فلاسفتكم وكتابكم مرة أخرى. إن شعب بغداد سوف يزدهر في ظل قوانينه وتقاليده. لقد قضى نبلاء عرب كثيرون في سبيل قضية الحرية العربية على أيدي أولئك الحكام الأجانب الأتراك. إن غاية حكومتي وحليفاتها هي ألا تكون نضالات أولئك النبلاء قد ذهبت سدى». لا أحد يعرف كمية الكتب التي صدرت عن مرحلة بريطانيا وفرنسا في الشرق. ولا يزال يصدر المزيد. من زوايا جديدة. أسماء لمعت في رمال المنطقة وأسماء غرقت فيها. من بلفور إلى تشرشل إلى أنطوني أيدن، الذي غرق في مياه السويس، هو والفرنسي جي موليه. من السودان إلى عدن إلى فلسطين إلى مصر. كان «مكتب القاهرة» شريك لندن و«حكومة الهند» في قرارات الحرب والسلم والتوقع. تركوا أسماء. سياسيون وعسكريون ورحالة ومستعربون ومستعربات ومفتونات بعالم ظنوه عالم «الف ليلة وليلة»، فأرق لياليهم جميعها.