كل هذا الخوف.. من الغرافيتي

TT

«الرسم مش إجرام يا حكومة».

غضب رسامو الغرافيتي في مصر، بعد الإعلان رسميا عن دراسة مشروع قانون يجرّم كتابة العبارات «المسيئة» على جدران المنشآت العامة والخاصة، بحسب ما ورد في مشروع القرار.

طبعا جرى الترويج لهذه الخطوة بأنها للحفاظ على المظهر الحضاري في الشوارع، بعد «تشويه جدرانها».

والمقصود بالجدران المشوهة واستهداف الذوق العام، بحسب الحكومة الحالية في مصر، موجة الرسوم والتعابير التي ملأت الجدران منذ عامين ونصف العام، وتستمر، فباتت صدى سياسيا فنيا بامتياز لكل ما يجري في مصر، وطبعا لم يسلم الحكم العسكري والارتكابات التي أقدم عليها من نقد لاذع عبر تلك الرسوم.

وفي الحقيقة، باتت الرسوم والكتابة على الجدران مرتبطة مباشرة بالحراك السياسي، وباتت شكلا مكرسا من أشكال التعبير، حتى في أكثر حالاتها نزقا وشعبوية، فهي تعكس حيوية ما انفجرت في الشارع العربي.

شاهدنا فنون الغرافيتي في تونس ومصر واليمن وليبيا ثم في سوريا التي اشتعلت شوارعها، بعد أن اقتبس صبية درعا من حراك تونس ومصر، فرسموا شعارات ضُربوا وقلعت أظافرهم بسببها، فكانت الثورة في سوريا.

تنقلت الرسوم والشعارات، حتى باتت سمة أي حراك شعبي.. ورسوم الجدران أو الغرافيتي هي وسيلة تعبير احترفها ناشطو الثورات، ووظفوها في معركتهم ضد الديكتاتوريات، وضد كل محاولات الخنق المتعددة الأوجه التي تعيشها مجتمعاتنا.

قبل الثورات، كانت رسوم الجدران حكرا على الأنظمة.

لم ننسَ بعد الصور والكتابات التي تمجد صدام حسين وخطاباته على جدران بغداد. كذلك في سوريا وليبيا واليمن وتونس، كانت أقوال الحكام والجداريات الركيكة البائسة عن بطولات مزعومة لهم تحتل الشوارع والمساحات العامة.

يقول ناشط سوري من «كفرنبل» السورية، التي اشتهرت بشعاراتها ورسومها، إن «جدران سوريا كانت محتلة، لكنها الآن تحررت».

هذه هي تماما المعادلة التي ترافقت مع انتشار ظاهرة الغرافيتي في مجتمعات الثورات العربية.

نعم، هناك تفاوت في نظرة المجتمعات لرسوم وكتابات الجدران، فالبعض يراها فنا، وآخرون يرونها تخريبا. ففي دول عدة يُنظر بازدراء إلى الكتابة والرسوم على الجدران، بل ويعاقب عليها القانون، كما في الولايات المتحدة الأميركية مثلا، بصفتها «عملا تخريبيا»، لكن في العالم اليوم تتجه الكتابة على الجدران لأن تصبح شكلا مقبولا من أشكال التعبير.

ليس كل ما يُكتب على الجدران فنّا وحرية رأي.

نعم، بالتأكيد.. لكنها المساحة الوحيدة المتاحة للتعبير أمام شرائح شبابية تتخبط في عالمنا العربي، ولم تجد حتى اللحظة وسيلة تعبير أخرى.

ترى هل كنا سنرى كل الكتابات والشعارات والرسوم هذه لو كان هناك استقرار ووسائل تعبير متاحة وفعلية لا هشّة كما هي اليوم؟!

يقول الكاتب هاني نعيم معلقا على احتكار الطغاة للرسوم على الجدران قبل أن تشتعل ظاهرة الغرافيتي في العالم العربي: «لا بد من فهم العلاقة بين الطاغية والفضاء العام. فالطغاة يعملون على إخضاع هذا الفضاء لسيطرتهم، ليعبروا منه إلى وعي المواطنين ويضيفوا على وجودهم سمة الاستمرار».

وهنا لا يسعنا سوى الحيرة أمام قلق الحكم العسكري الحالي في مصر على الذوق العام من رسوم الجدران أكثر من قلقه من العشوائيات وأطفال الشوارع، التي يبدو أن الذوق العام بات منسجما حيال وجودها.

[email protected]