النجوم ومصيدة الإدمان

TT

تلك الفنانة الشابة التي كنا نترقب لها مستقبلا واعدا في دنيا التمثيل، بعد أن حققت قفزة جماهيرية في رمضان الماضي ووقفت على بعد خطوات ضئيلة من النجومية، وأشدت بها أنا وغيري من النقاد، ولكنها مع الأسف ضبطت قبل أيام وهي تشتري الكوكايين والتاجر اعترف أنها ليست وحدها، هناك قائمة أخرى، قبل أقل من ثلاثة أسابيع تم إلقاء القبض على فنان شاب كان أيضا ينتظره الكثير، ولكنه وقع ضحية الإدمان، وهكذا بدلا من أن نقرأ اسميهما في صفحة الفن انتقلا إلى صفحة الحوادث.

عدد من النجوم وفي كل العالم يقعون أسرى التعاطي، والبعض يعترف ويبدأ رحلة العلاج مثل ماكولاي كالكين، هذا الطفل الجميل الذي شاهدناه قبل أكثر من عشرين عاما في مجموعة أفلام «وحدي في المنزل»، فوجئت به بعد أن تخطى الثلاثين وقد أصبح يحمل وجه رجل متهالك عجوز قضت عليه السنين!

ماكولاي هو نموذج لنجاح الطفل الذي يمتلك في لحظة كل شيء. شهرة وفلوس وحضور وتألق، ثم بعد ذلك خفوت تام، وكأن الله منحه في سنوات قليلة كل شيء لكنه لم يحافظ بعد ذلك على أي شيء.

المأزق هو كيف تتعامل مع الواقع. كانت لـ«كالكين» محاولات سينمائية بعد تخطيه مرحلة المراهقة، لكنها لم تسفر عن أي نجاح، وربما لهذا السبب كان عرضة أكثر من غيره لكي يقع فريسة للإدمان.

ومن أشهر الذين دخلوا هذه الدائرة نجم مصري فقدناه قبل نحو عام، كان واحدا من أربعة أو خمسة فنانين تجمعهم تلك المصيدة، إلا أنه صاحب الحظ الأسوأ بينهم، وكثيرا ما تم إلقاء القبض عليه متلبسا، أول ما يفعله في التحقيق أن يشي بالشلة، إلا أنهم في ما يبدو أكثر قدرة على الهروب من الملاحقة الأمنية.

الإدمان لعنة، والفنان تزداد أكثر احتمالات وقوعه في براثنه. ولا أنسى مطربا بدأ حياته مع النجومية مبكرا وشجعه الراحل عبد الحليم حافظ ولكنه لم يتحمل تبعات النجاح فوجد نفسه يستجير بالتعاطي، وقرأنا اسمه في النهاية بعد أن عثروا على جثته ملقاة على الطريق، ومعه كعادة المدمنين «سرنجة» وليمونة.

الفنان يعيش حالات دائمة من النجاح والفشل يصحبها الكثير من التوتر، ولا يدري الكثيرون أن النجاح إذا لم نكن مهيئين لاستقباله تصبح معاناته أكبر بكثير من الفشل.

في مسلسل «أهل الهوى» الذي عرض في شهر رمضان الماضي، تناول الكاتب محفوظ عبد الرحمن إدمان سيد درويش، وتساءل هل قتل بسبب جرعة زائدة كما تردد أم أنها مؤامرة، وأرجعها محفوظ إلى مكيدة تعرض لها درويش، نظرا لمواقفه الوطنية ضد الاستعمار البريطاني.

كيف تعرف الفنان المدمن؟ لن تشاهده بالطبع أثناء التعاطي، ولكنك على الشاشة تراه وقد ماتت نظرة عينيه. أعرف نجما لا يزال في الساحة، صار يقبل أي دور يعرض عليه لأنه يحتاج إلى سيولة مادية تتيح له شراء الجرعة بانتظام، لو دققت النظر في عينيه لوجدتها فقدت الحياة. عيناه تريان نعم، ولكنه يبدو على الشاشة وكأنه يطل علينا من عالم آخر. بطارية الإبداع تتأثر سلبا وتشعر أن النجم قد أفرغ هذه الشحنة تماما ولم يتبقَّ شيء لديه.

الكثيرون يشعرون بنفور من المدمنين، ولكني أراهم مرضى، فإذا لم تكن قادرا على أن تشفق على المريض فلا أقل من أنك لا تزدريه.

عندما سألوا موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن ارتباط البعض بالتعاطي عند ممارسة الفن، أجابهم: الإبداع هو النظام والدقة والوعي بكل شيء، فكيف يأتي عندما يغيب الإنسان عن كل شيء؟