دبلوماسي «ظريف» في اللعبة الإيرانية / الأميركية

TT

أقسم المحافظ فواز علي الصالح يمين الولاء مرة للعائلة. ومرة للطائفة. ومرة للحزب. و«برضه» مرة للوطن. فاستقبله بشار. وزوَّده «بتوجيهاته» السامية. ثم أطلقه مثقلا بهذه الأعباء الضخمة، إلى مقر عمله في دير الزور.

منذ أسبوعين، أعلن دكتور الحكومة وائل الحلقي تسريح المحافظ فواز علي الصالح، بتهمة إصابته بوباء الفساد الذي اجتاح البلاد. واستحى من الإعلان عن اعتقاله، مع صغار «الفاسدين» الذين لم يُتح لهم شرف مقابلة الرئيس، والتزوُّد «بتوجيهاته» السامية.

في دولةٍ يحكمها، نظريا، حزب اشتراكي. وتطبق عمليا الاقتصاد الرأسمالي، أقسم الماركسي «المعارض» قدري جميل يمين الولاء التقليدي، للعائلة. والطائفة. وأنشد مع البعثي المخضرم عبد الله الأحمر نشيد النظام. والحزب. والوطن. و«برضه» الحكومة التي أصبح نائبا لرئيس وزرائها للشؤون الاقتصادية. فاستقبله الرئيس بشار. وزوَّده «بتوجيهاته» السامية.

انطلق بروفسور الاقتصاد قدري جميل، ليطبق اقتصاد السوق ورجال «البزنس» على نقابات العمال. قبل 12 يوما، أعلن دكتور الحكومة تسريح نائبه قدري جميل، لتغيبه عن العمل بلا إذن. ولسفره إلى الخارج بلا ترخيص.

ذهب قدري جميل إلى جنيف. شم نسيم الحرية. فشتم المخابرات. قابل السفير الأميركي روبرت فورد. فنصحه بمقابلة زميله سيرغي لافروف. طار قدري جميل إلى موسكو. فرسمه لافروف رسميا للجناح «الروسي» في المعارضة السورية. وكلفه حضور مؤتمر جنيف بالنيابة عن بوتين. مر قدري جميل ببلغاريا. فتذكر دور المخابرات في «تسيير» زعماء الجبهة الوطنية (البلغارية). فعاود الانحناء. وأعلن أنه متمسك ببشار رئيسا لدولة الازدهار!

تخصص الرئيس الأب في البحث، عن أكابر البعثيين السنة الأقل كفاءة. والأكثر ولاءً. عجم عيدانه. فوجد المهندس محمود الزعبي بلا عمود فقري. فأنعم عليه برئاسة الحكومة. أقسم الرجل يمين الإخلاص للعائلة. وللطائفة. وللحزب. وبرضه... للوطن. فاستقبله الأب. وزوده «بتوجيهاته» السامية. صال الزعبي. وجال في المؤسسة الإدارية. ازدادت تفككا وفسادا. فبقي باشكاتب الوزارة ثلاث عشرة سنة، من دون أن يمنحه رئيسه رقم هاتفه.

مات رئيس الدولة. «فانتحر» باشكاتب الحكومة! استهل الابن «الوارث» عهده بالإعلان عن انتحار الزعبي برصاصتين! صدَّق الناس الرصاصة الأولى. فمن أودع الرصاصة الثانية في صندوق العبقرية الذي حمله باشكاتب الحكومة فوق كتفيه؟!

أمس (الاثنين)، مرت الذكرى السنوية الثالثة عشرة «لانتحار» محمود الزعبي. وما زال سر الرصاصة الثانية دفينا معه. الذين يعرفون يقولون إن رئيس الحكومة لم يكن يعرف أن رئيس الدولة الراحل أمضى سنوات الخرف الست الأخيرة من حياته، في تأهيل نجله الثاني لوراثته. فكيف يجرؤ رئيس الحكومة على الاعتراض، على تعديل دستور الوراثة الذي تم في ست دقائق؟!

هل سمعت بوزير اسمه عمران الزعبي؟ هذا الوزير من «قرابة» الراحل محمود الزعبي. بل كان مديرا لمكتبه. وأحيل للتحقيق في قضايا تمس سلوكه الإداري. في مقدمتها، استصدار تراخيص بتصدير واستيراد سلع ممنوعة، بتوقيع وختم رئيس الحكومة من دون علمه.

توقف التحقيق إثر انتحار الزعبي الأول. بعد نحو خمس عشرة سنة، شعر النظام بالحاجة إلى استمالة مزيد من «الحوارنة» الذين قصفهم. ودمر مدنهم وقراهم (سكان جنوب سوريا)، وذلك بعد تجميد (الحوراني) فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية. وبقاء (الحوراني) فيصل مقداد نائبا لوزير الخارجية، على رجاء «قيامة» وليد المعلم من مقعد الوزير الأصيل.

من هنا، كان نفض الغبار، ورد الاعتبار للحوراني (المتهم) عمران الزعبي وتعيينه وزيرا للإعلام، لترجيح كفة الحوارنة الموالين للنظام. الغرض خدمة المجهود الحربي لاستعادة محافظة درعا (حوران) من ثوار المعارضة الذين يسيطرون على معظمها، وصولا إلى الحدود مع الأردن.

في التقييم الإعلامي والصحافي، تبدو تصريحات الزعبي فجة، وبحاجة إلى صقل أكثر، ليبدو أقرب إلى «بلادة» وليد المعلم وهو ينفي وجود أوروبا، منه إلى سذاجة سعيد الصحاف وزير إعلام صدام الذي نفى وصول الدبابات الأميركية إلى بغداد، فيما كانت تتحرك خلفه مباشرة في الصورة التلفزيونية. ولعل الرئيس بشار يستدعي وزير إعلامه الجديد، لتزويده «بتوجيهاته»، بعدما بات هو خبيرا إعلاميا، من كثرة جلوسه أمام شاشات الصين. ومنغوليا. وأميركا. وتلفزيونات بوتين وروسيا البيضاء، للدفاع عن نظامه في معركة الموت أو البقاء.

أود أن أقول إن المهمة الأسمى لرجل الصحافة والإعلام، تعريف الرأي العام برجل المسؤولية. والشهرة. والقوة. والسلطة، في أي مجال كان، حتى ولو في مجال الثقافة. الصعوبة في هذا العمل هو في اختلاف الصورة التي قد يعرفها الناس، عن الصورة التي يعرفها الصحافي. من هنا، فواجب الصحافي أن يتحلى بالمعرفة. وقبل كل ذلك بأمانة الضمير في خدمة الحقيقة.

قدمتُ النماذج البشرية التي تحدثت عنها، لأنها تمثل رجال الطبقة الإدارية والسياسية التي اعتمدها نظام سوري فاسد، على مدى خمسين سنة، في ظل تغييب الحرية. والقانون. والصحافة. وفي ظل تضخم السلطة التنفيذية، والمؤسستين الرئاسية والمخابراتية. واحتواء واستيعاب سلطتي الرقابة الشعبية (البرلمان) والقضائية. تمسكُ المعارضة بنقل السلطة هو الغاية من عقد مؤتمر جنيف، وليس التفاوض مع نظام يحتكرها. كما يريد الوسيط الروسي/ الأميركي الأخضر الإبراهيمي.

المسؤول الآخر الذي سأتحدث عنه ليس سورياً. ولا عربياً. إنه محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران الذي يتوهم الغرب أنه مع الرئيس حسن روحاني يشكلان مدخلا لتسوية مع إيران، من شأنها أن «ترسم» لها دورا «مشروعا» في المشرق العربي، وآخر مقبولا على المسرح العالمي.

المعروف عن ظريف أنه درس العلاقات الدولية في جامعة فرانسيسكو. ثم عمل سنوات في القنصلية الإيرانية هناك، على مقربة من أهم مراكز تطوير تقنيات الصناعات التقليدية والإلكترونية الحديثة. السؤال: كيف تمكن هذا الشاب الإيراني الصغير من البقاء هناك، وماذا كانت مهمته، في وقتٍ كان نظام الخميني يصفي جسديا «جناحه الأميركي» الذي أوصله إلى السلطة بديلا للشاه، وفي وقت بدأت إيران تتسوق من الغرب تقنيات مشروعها النووي السري، وصولا في المئوية السنوية الجديدة، إلى «سرقة» صواعق وأزندة تفجير القنابل المخيفة؟

لتغطية انخراطه في العمل لحساب المشروع السياسي الإيراني، يزعم ظريف أن زوجته هي التي لعبت الدور في «أسلمته». لكن انتقاله المفاجئ من قنصلية فرانسيسكو، إلى السفارة الإيرانية في دمشق مكَّنه من لعب دور كبير في حرب الرهائن الغربية في لبنان، وتأسيس «حزب الله» كذراع مسلحة لإيران (1982). خلية دمشق الإيرانية هي التي حققت مع المخابرات السورية النصر الكبير، على المخابرات الغربية (1982/ 1990). ومن يومها دخل لبنان في دائرة النفوذ الإيراني في المشرق العربي.

كان الدبلوماسي ظريف ضد اجتياح السفارة الأميركية في إيران، واحتجاز الرهائن هناك. لكنه اطلع على الوثائق السرية التي ضبطت. ثم لعب دورا دبلوماسيا مباشرا في كابل مع الأميركيين، لتركيز سلطة حامد كرزاي. وفي مقابل ضمان نفوذ إيران في إقليم هرات الشيعي المجاور. ثم كشفت المخابرات الأميركية دور أكياس الدولارات التي كانت تصل إلى القصر الرئاسي في كابل بانتظام من طهران. وظريف معروف أيضا لدى أتباع إيران في بغداد. فقد سوَّى أكثر من أزمة مع سلطات الاحتلال الأميركية.

وأقول إن روحاني ووزيره ظريف ينفيان بشدة وجود قوات إيرانية في سوريا. لكن الصور التي نشرت لمعركة بلدة «السفيرة» التي حسمتها الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية، بقيادة ضباط فيلق «القدس» الإيراني، تظهر بوضوح لحى وملامح وملابس جنود ليسوا من جنود القوات النظامية السورية.

ويقود روحاني وظريف الآن حملة إعلامية دولية «لطرد الإرهابيين» السنة من سوريا. وما من كلمة واحدة عن سحب «إرهابي» الباسدران. وأبي الفضل العباس. وميليشيا حزب الله.

وأضيف للعلم، أن بلدة «السفيرة» تنطوي على أكبر مصنع للأسلحة الكيماوية، ومستودعات لتخزينها. وبعد حسم معركتها تمكن المفتشون الدوليون من زيارتها. لكن من دون أن يعلنوا أنها أحد المركزين الكيماويين اللذين لم يتمكنوا من زيارتهما سابقا، بسبب الخطر الأمني.

ما هي مهمة ظريف وروحاني، بعد احتمال تسوية أزمة الملف النووي؟ الواقع أن الرجلين مهتمان بتصفية ملف العقوبات المالية، قبل الملف النووي، الأمر الذي يثير الشكوك الغربية والإسرائيلية، فيما يبدي الرئيس أوباما استعدادا لتخفيف العقوبات المصرفية، على الرغم من معارضة الكونغرس الأميركي وفرنسا!

يبقى السؤال الأخير: هل يضمن أوباما عدم إزاحة خامنئي لروحاني وظريف، بعد رفع العقوبات، وتسوية الملف النووي، وقبول الرئيس الأميركي، بدور أمني وسياسي لإيران في المشرق العربي، إذا وافقت على ترحيل نظام الأسد؟

ما من رئيس أميركي ضمن مزاجية الخميني، وهو يذبح الدجاج (الأميركي) في نظامه. فمن يضمن مزاجية خامنئي المتقلب؟