ميانمار.. ماذا نتوقع من القوى العظمى؟

TT

«تعرض قارب آخر للغرق في ميانمار، أسفر عن وفاة 70 شخصا وفقدان العشرات»، كان هذا تقريرا منشورا في الهوامش الجانبية في بعض الصحف اليومية الأسبوع الماضي. كان هذا خبرا مألوفا، وربما لا يُعتبر خبرا ذا أهمية، فالقوارب دائما ما تغرق في ميانمار. وكم عدد الأشخاص الذين يعرفون السبب الذي يهرب منه هؤلاء الناس، والمكان الذي سيتوجهون إليه، ولماذا تهيمن عليهم هذه الحالة من البؤس والشقاء وهم على متن تلك القوارب البدائية؟

يتعرض مسلمو ميانمار للنسيان والتهميش، للاضطهاد على يد الحكم العسكري منذ عام 1962. ويتعرضون لسياسة ممنهجة للتطهير العرقي منذ عام 2012، عبر القتل أو التهجير القسري خارج البلاد. ولذا يبحثون عن أي بلد ليهربوا إليه في أي قوارب يجدونها، بصرف النظر عن كون هذه القوارب قديمة أو بالية ومتآكلة. الأقسي من ذلك أنهم بعد أيام من الجوع والمعاناة خلال هذه الرحلة لا تسمح لهم البلاد التي وصلوا إليها بدخولها، ويجري ترحيلهم إلى بلادهم مرة أخرى، كما لو كان أمامهم مكان آخر ليذهبوا إليه.

عدم تمتع هؤلاء بحقوق المواطنة يحول بينهم وبين الدخول إلى المستشفيات أو أي مؤسسة رسمية أخرى، ولا يتسنى لهم السفر أو الزواج أو دفن موتاهم. هل هناك الأمن الاجتماعي؟ ليس في مثل هذا النوع من الأماكن.

لقد مكثنا في منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة بما فيه الكفاية لإدراك أن الصراعات دائما ما يكون لها اتصال خارجي. ونظرا لأن الشرق الأوسط منطقة ضعيفة ومنقسمة، فالمؤكد أن تتحول إلى ملعب للقوى الحاكمة. فالأراضي الغنية والدول غير المستقرة والشعوب التي لا مُثل لها، تشكل بيئة مثالية لخلق حالة من العنف والاضطراب. وإذا ما ألقينا نظرة، عن كثب، على أفريقيا أيضا، كما هو الحال بالنسبة لـ«الشرق الأوسط»، فستجد شعوبا فقيرة تعيش في دول غنية تسودها حالات من الاضطراب والنزاع والعنف.. تُرى ما السبب وراء ذلك؟!

كل الدولة الفقيرة التي تمتلك وفرة في الغاز الطبيعي أو النفط أو الموارد التعدينية تشكل صيدا ثمينا للاستغلال. ومن ثم تتدخل القوى العظمى، بشكل مباشر عبر تأليب الأطراف. فإذا أطلقت إحدى القوى العظمي العنان لقوة أخرى لوضع يدها على تلك الموارد، تصير الأمور أكثر حدة وسوءا، مثلما هو الحال، بالتأكيد، مع العنف.

لذا ما الذي يجري في ميانمار، تلك الدولة الآسيوية؟ للإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى الرجوع بالذاكرة للوراء بعض الشيء.. ففي عام 2004، اكتُشِف وجود 1.2 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، بالإضافة إلى ما يماثل 1.2 مليار برميل من احتياطي النفط في شمال ميانمار، في أراضي راخين التي يقطنها المسلمون. يمر سبعمائة وثلاثة وتسعون كيلو مترا من خط أنابيب الغاز الطبيعي، البالغ طوله 2500 كيلو متر، الذي بُني وبدأ ضخه هذا العام، عبر ميانمار، ولا سيما المناطق التي يقطنها المسلمون، ويصل في النهاية إلى الصين. تواصلت عملية ارتكاب المذابح ضد المسلمين بقوة ودون انقطاع خلال العامين الأولين من بدء تأسيس خط الأنابيب.

في واقع الأمر، لم يتبقَّ تقريبا أي مسلم على الإطلاق في المناطق التي استقر فيها المسلمون، بسبب التطهير العرقي. إن ما نراه الآن هو عبارة عن صراع مستمر بين ماردين عملاقين، وهما الصين، التي تسعى للبحث عن سوق وعمالة رخيصة وتحقيق ربحية ضخمة من خلال خطوط الأنابيب، والولايات المتحدة الأميركية، التي تركت الصين، ظاهريا وبصورة جلية، تستحوذ على المنطقة، وخسرت تلك الفرصة.

عندما تتصارع قوتان عملاقتان، فدائما ما تتدخل القوة «العميقة» التي تسعى لحل القضية باتباع طرق غامضة. لنضع في الاعتبار أننا لا نشير هنا إلى الحكومات، بل القوى العميقة التي تعمل مستقلة عن الحكومات. وقد تكون هذه القوى العميقة في بعض الأحيان جزءا مباشرا من أجهزة الدولة، كما كان الحال مع تركيا في الماضي وإيران في الوقت الراهن، وأحيانا في المؤسسات البحثية التي تضم الأعضاء العاملين الذين اكتسبوا السياسات الاحتكارية عبر كثير من مجالات الصناعات الخاصة، كما هو الحال في أميركا. تبدأ تلك القوى في الدخول إلى المجتمع من أبرز نقاط ضعفه؛ لم يكن من الصعب إثارة حفيظة أصحاب المذهب المادي والحكم العسكري الفاشي في ميانمار، من خلال الدعاية والشعارات العنصرية وعبر الدعم المادي، يشاركون في ارتكاب مذابح ضد المسلمين. ولتتذكر أن ذلك الأمر لم يكن صعبا كذلك في زمن هتلر النازي.

يمكننا فهم الوضع بصورة أفضل إذا نظرنا إلى خطوط الأنابيب الهائلة في الأجزاء الأخرى من الشرق؛ فيأتي من بين اللاعبين الثلاثة الرئيسين في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي العملاقة في عام 2013: مصر التي تعيش حالة من الاضطراب، وتركيا، الدولة المستقرة والمتطورة التي تجري محاولة تقويضها عن طريق الاحتجاجات، وأخيرا العراق، الذي يعيش وضعا صعبا كدولة منقسمة وغير مستقرة.

من خلال إلقاء نظرة متفحصة، يمكننا إدراك أن المشكلات الداخلية في الدول النامية ليست منفصلة عن «المشكلات الخارجية». ولكن من ارتكب هذا الخطأ؟ أرى من وجهة نظري أن المسؤول الوحيد عن هذا الخطأ هو المجتمع الإسلامي بأراضيه الغنية وشعبه الأصيل وعقيدته التوحيدية الموحدة التي تعد مصدرا من مصادر التنوير والحكمة. يخالف بعض المسلمين أوامر ربهم (عز وجل)، فلم يتمكنوا من الاجتماع معا، ويعادون بعضهم بعضا في أضيق الفرص، ويعتبرون الانقسامات المذهبية قاعدة أساسية وسببا للكراهية، وعلى الرغم من أمر الله (سبحانه وتعالى) لهم في القرآن الكريم «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». وكلما زادت مخالفتهم لذلك، ازداد ضعفهم، وانتهى بهم الحال لأن يصيروا دمية في أيدي جماعات المصالح. وكل ما يحصل عليه المجتمع الإسلامي هو الشرارة التي تطلقها بعض الجماعات الشريرة المشؤومة، ليبدأوا على الفور في التناحر والمحاربة. ويصبح المجتمع الإسلامي غير قادر على حماية الشعب المسلم الذي يعاني من الجوع والفقر والبؤس والشقاء والاضطهاد في ميانمار. والأدهى والأمر من ذلك، هو وقوف المجتمع الإسلامي على هامش الأحداث، والاكتفاء بمجرد المشاهدة في انتظار حل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة للصراع.

من العبث غير المبرر أن نتوقع قدوم المنقذين البطوليين من الخارج للوقوف في وجه الاضطهاد والقمع المرتكب في تلك المنطقة، في الوقت الذي تقع فيه المسؤولية على عاتقنا نحن كمسلمين في مقاومة هذا الأمر. إننا نتحمل المسؤولية عن كل بيت أُضرم فيه النيران في راخين، وكل مسلم من جماعة الروهينغيا قُتل أو أُجبر على الخروج من بيته، وكذلك كل رجل أو امرأة أو طفل بائس وتعيس. يجب أن لا ننسى أنه طالما أن المسلمين لم يتخلصوا من الخرافات التي لا قيمة لها في الإسلام، ويعودوا إلى القرآن الكريم، وطالما أخفقوا في إدراك وجوب أن يكونوا إخوانا لا أعداء، فسيظل المسلمون هدفا وعرضة للمذابح. إذا كنا لا نريد ذلك، فيجب علينا أن نرجع إلى أوامر الله، بدلا من السعي إلى تصعيد دائرة الكراهية والاضطهاد وزيادة حدتها، مع وجوب الاعتصام والاتحاد. وحينئذ لن يضيع الله دعاءنا هباء منثورا.