يزرعون الريح ونحصد العواصف

TT

قبل أيام، كتبت حول الحرب «الكبرى» الدائرة في سوريا، متوقعا بقاء هذه الحرب معنا إلى أجل مديد، كحرب الثلاثين عاما بأوروبا في القرن الـ17.

المسرح السوري، كما جرى في المسرح الألماني من قبل في الحرب الدينية الأوروبية الكبرى، استقطب كل الثارات التاريخية، والجهالات الحاكمة للجميع.

حول هذا الكلام، وردني تعليق من صديق حكيم ومثقف من لبنان، ذكر فيه أن الحروب اهلية تقوي التطرف وتزيد التعصب، لكنه استدرك أنه رغم سوء (علي عيد وابنه رفعت)، وهما قادة الميليشيات الموالية لنظام الأسد في طرابلس، فهما استفادا كثيرا من تزايد قوة التيار السني السلفي في مدينة طرابلس على حساب العائلات التقليدية والتيار العروبي وجماعات اليسار. وفي المقابل، كانت جماعات سنية أصولية متشددة تابعة للنظام السوري، مثل جماعة سعيد شعبان وابنه بلال وهاشم منقارة، مؤكدا أن إيران نفسها تمول، ومعها حزب الله، جماعات سنية أخرى من واجهاتها بلبنان.

صديقي المثقف يرى أن التركيز يجب أن ينصب على مخططات إيران نفسها التي تصنع الفتنة صناعة في المنطقة، كما أنه يرى أنني أعطيت (وئام وهاب)، السياسي اللبناني الدرزي، أهمية لا تتلاءم مع وضعه وحزبه داخل الطائفة الدرزية، في محاولة من نظام الأسد خلق زعامات منافسة للزعامات الدرزية التقليدية.

أتفق مع مجمل ما قاله الصديق المثقف، غير أني أود أن «أعيد» التنبيه مرة أخرى إلى أن كلامي السابق لا يتنافى مع الإلماعة إلى دور وهموم ونوايا إيران، فـ«لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار».

من مصلحة إيران التفرد بالتأثير في العراق وسوريا ولبنان، وربما اليمن والبحرين وغيرها. هذا صحيح، وهي تخطط لذلك بدأب، وتسخر قدراتها الاستخباراتية والإعلامية والسياسية والمالية، من أجل هذا الغرض.

غير أن هذا التربص الإيراني ليس وليد اليوم، والعلاقة بين جماعات أصولية سنية ومركز الدماغ الخميني، بجامع الشعارات الرنانة الجوفاء حول فلسطين وأميركا «الشيطان الأكبر»، هي علاقات قديمة سابقة حتى لوصول الخميني 1979 لعرش فارس.

المشكلة، كما جرى في حرب الثلاثين عاما من قبل بأوروبا، هي أن هناك «بيئة» صالحة لقيام هذه الحروب الأهلية بتحفيز الكراهية الدينية والقومية، لو لم يجد مطر الدعاية الإيرانية أرضا خصبة، لما أينعت ثمار الجماعات الإرهابية الدينية، في الضفتين الشيعية والسنية.

إيران تزرع الريح وستحصد العاصفة، ولكن سيحصد معها الكثير من الزرع والضرع في بلاد العرب والمسلمين.

وهذا الكلام له ذيول وقرون...

[email protected]